عبدالله محمد الشهراني

حتى لا يقال: من النعمة كانوا «يكممون»

الأربعاء - 11 نوفمبر 2020

Wed - 11 Nov 2020

الإسراف في الطعام والشراب أمر حذرت منه الشريعة الغراء، وورد ذلك - بكل وضوح - في القرآن وفي سنة المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، ومع ذلك فقد شاعت بيننا ممارسات مؤسفة، يصل بعضها - من شدة ما يكون فيه من مبالغة - إلى حد إثارة الشعور «بالقرف والتقزز».

والمؤسف أكثر أن أصحاب تلك الممارسات السيئة يتفاخرون بتصويريها ونشرها في مواقع التواصل الاجتماعي. لكن عدم شكر النعمة لا يقتصر على الإسراف فحسب، بل إن عدم القناعة أيضا يعد من جحود الخير والفضل، إذ تجد من يقول: زمان عن المفطحات، أو بس فول ورز ودجاج! دلالة على عدم الرضا والسخط على ما توفر من رزق.

قبل عقود غير بعيدة من الزمن، كانت في مكة المكرمة أماكن معروفة بتوفير الطعام للأهالي والحجيج، أذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: رباط البهرة والتكية المصرية، أماكن يجد فيها قاصدها الخير والأرزاق، يأكل فيها الجائع ويرتوي العطشان ويستريح المُتعب، حتى شاع في الأمثال أن يقول صاحب الدار للضيف الثقيل: ومن قال لك إني فاتح بيتي «تكية»؟!. وأتذكر والدي رحمه الله وهو يحدثني عن الحجاج الإندونيسيين الذين كانوا يتصدقون على الأهالي بالنقود «الذهب»، أو تلك الزكاة التي كانت تأتينا من السودان الشقيق. أمثلة أسردها من الذاكرة وأعلم أنه لو أجريت بحثا عن الموضوع لوجدت أمثلة أخرى كثيرة غيرها.

إننا نعيش في زحمة من النعم، حتى باتت النعم تحيط بنا على الدوام، في البيت وفي مواقع العمل والترفيه وفي كل مكان، الموجود كثير والبدائل أكثر. نِعم وخيرات لم تستطع أجسادنا أن تستهلكها و(تحرقها)، فكبُر حجم المعدة وتحول الفائض إلى دهون، كليوجرامات زائدة لم يستطع النادي الرياضي ولا ممشى الحي إزالتها، فاضطر أغلبنا إلى «التكميم»، الحل الوحيد الذي لجأ إليه السواد الأعظم أمام الإفراط في النعم. إن السمنة هي الدليل الذي يثبت وجود النعمة وبغزارة رغم إنكار بعض من أصيبوا بها.

شكر النعم يتخطى دور الفرد في شخصه وعائلته، إذ إن إنكاره على المسرف وتوبيخه للساخط شكر أيضا للنعمة، وهذا هو الشكر الأهم الذي سوف ينجينا جميعا من تغير الحال إلى الأسوأ لا سمح الله.

لا بد أن نمنع الإسراف وأن ننكره علانية، وأن ننشر ثقافة الرضا والقناعة بما رزقنا الله، وأن نعي أننا إن لم نفعل ذلك فسوف يأتي زمان يمر الناس فيه على ديارنا قائلين: لقد كان هاهنا أناس كثرت عندهم النعم حتى انتشرت فيهم السمنة، ولم يستطيعوا معالجتها إلا بالتكميم».

ALSHAHRANI_1400@