عبدالحليم البراك

حتى لا نهزم!

الأحد - 08 نوفمبر 2020

Sun - 08 Nov 2020

الحديث عن الهزيمة النفسية معقد وبسيط، يأخذ صورة معقدة للغاية في قطاعات الإدارة والأعمال والاقتصاد والفكر، والأدب والثقافة على وجه الخصوص، ويأخذ مظاهر بسيطة للغاية في البيت والشارع والعمل والحياة اليومية، وكل هذه الحالات هي شكل من أشكال الهزيمة النفسية أو بعبارة أخرى (أعراض مرض الهزيمة النفسية)، حتى يبدو الأمر جليا وبسيطا نأخذها في مظاهرها البسيطة المضحكة جدا:

- اجتماع كله عرب، واللغة الرئيسة هي اللغة العربية، ولأن الهزيمة النفسية أمام الغرب، فإنه لا بد - حتما لا خيارا - أن تدخل الكلمات الإنجليزية في الاجتماع، ثم تبدأ عملية استعراض لا قيمة لها، في استعراض مخزون أحدهم من الكلمات الإنجليزية، حتى إنه يكاد لا يتكلم كلمتين عربيتين متتاليتين، أما الآخر، فإنه يقول الكلمة العربية ومرادفتها الإنجليزية في اللحظة نفسها بتكرار ممل، أما ذلك الآخر، حتى يثبت أنه أكثر احترافية باللغة الإنجليزية، فإنه يتهور ليقول جملة كاملة بالإنجليزية، فتذهب جهود المستمعين بالتدقيق في قواعد اللغة الإنجليزية أو ترجمة الكلمات أو التدقيق في طريقة نطقهم للكلمات، أما الموضوع الأصلي الذي اجتمع من أجله المجتمعون فهو آخر الاهتمامات، وهذا مظهر من مظاهر الهزيمة النفسية.

- المتاجر التي تأخذ صفة الطبقة المخملية لا يمكن أن تأخذ اسما عربيا، هذا يقلل من قيمتها، بل إنه عيب تجاري، بل كيف يمكن لعميل مخملي أن يتعامل مع متجر اسمه عربي! وتبع ذلك كل المتاجر والمحلات التي قلدتها، حتى إن (مقصفا) صغيرا لبيع الفول، لا يتوانى عن أن يسمي نفسه «بريكفاست از يو لايك» بمعنى (فطور عل كيفك)، وهو قابع في صناعية بسيطة! هذا مظهر من مظاهر الهزيمة النفسية أيضا.

- العميل العربي وهو يقف على منصة الاستقبال في فندق من خمس نجوم، يصر على أن يتحدث مع الموظف (غير العربي) باللغة الإنجليزية، بينما يرد عليه الموظف بالعربية، وتستمر اللغة سجالا بينهما، فلا يريد أحدهما أن يتنازل عن اللغة التي هو مهزوم أمامها، وفرق بين الهزيمتين، وهذا المشهد الأخاذ رأيته بنفسي ولم يروِه لي أحد!

- أما على مستوى الناس، فلا تزال الهزيمة تكرس نفسها، واللغة أكبر شاهد عليها، فإجازة نهاية الأسبوع (ويكند)، والجلسة الخاصة بعد الحفلة (افتر بارتي)، والجزمة صارت (شوز)، حتى نسينا الاسم العربي لها، وحفلة الطفل والاحتفاء به يبرز اسم (بيبي شاور)، والبنات درجن على فعل مهزوم من الثقافة الغربية وهي حفلة توديع العزوبية، والخصومات التجارية الخاصة بالغرب، مثل (بلاك فرايدي) التي تم تبييضها (بالجمعة البيضاء).

- أما على مستوى تويتر، فإن التعريف الشخصي يكتب فيه باللغة الإنجليزية للتعريف بصاحبه، رغم أنه يكتب تغريدة واحدة بالإنجليزية، ولا يوجد متابع واحد له غير ناطق بالعربية، ولا يستهدف في حسابه هذا شخصا واحدا غير ناطق بالعربية، والخوف كل الخوف أنه استعان بأحدهم لكتابة التعريف نيابة عنه، ناهيك عن اسمه المكتوب باللغة الإنجليزية.

أما من سأل عن علاج الهزيمة النفسية، فهو سهل صعب، واضح مرهق، قوي رغم أنه معروف: الإنتاج الحقيقي المبهر هو علاج الهزيمة النفسية، والإنتاج هو على المستويات كلها، على المستوى الفكري والمادي، حتى تجعل العالم كله بحاجة إليك فيتبع خطواتك، فكلما كان اقتصادك قويا صار الناس معك، وكلما أنتجت فكرا راقيا أنصت الناس إليك وتبعوا كلماتك حتى لو كانوا لا ينطقون العربية، وإن هزيمتنا أمام الغرب سببها بسيط للغاية وصعب للغاية، هو الإنتاج المادي والمعنوي الذي نحن مهزومون أمامه!

Halemalbaarrak@