عبدالله قاسم العنزي

إفشاء السر بين التجريم والإباحة

الاحد - 08 نوفمبر 2020

Sun - 08 Nov 2020

إن مبدأ السرية وعدم الإفصاح عن أي معلومة لشخص من الأشخاص غير المصرح لهم، يعد من القيم التي يجب على كل صاحب مهنة يطلع على الأسرار الشخصية والتجارية للآخرين بحكم مركزه وعمله؛ أن يتحلى بها، مثل: الأطباء والمحامين وغيرهم من الموظفين الذين يطلعون على أسرار العمل.

لقد تضمنت كل القوانين والتشريعات واجب الحفاظ على الأسرار وتجريم إفشائها، ليس لحماية صاحب السر ومكانته ومركزه وشرفه فحسب، بل لصيانة سمعة المهن كالطب والمحاماة وغيرهما، فإن لم يجد المريض طبيبا يركن إليه ويودعه سره، أو لم يجد المتهم محاميا يطمئن إليه ويصارحه بسره، لأدى ذلك إلى اضطراب المجتمع!

ولكي يتضح لنا أهمية الحفاظ على السر في القانون السعودي فقد نصت المادة (21) من نظام مزاولة المهن الصحية أنه «يجب على الممارس الصحي أن يحافظ على الأسرار التي علم بها عن طريق مهنته، ولا يجوز له إفشاؤها»، وكذلك جاء في نظام المحاماة السعودي في المادة (23) أنه «لا يجوز للمحامي أن يفشي سرا اؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته ولو بعد انتهاء وكالته، ما لم يخالف ذلك مقتضى شرعيا، كما لا يجوز له بدون سبب مشروع أن يتخلى عما وكل عليه قبل انتهاء الدعوى»، وجاء أيضا في نظام العمل في المادة (65) فيما يترتب من حقوق على العامل «أن يحفظ الأسرار الفنية والتجارية والصناعية للمواد التي ينتجها، أو التي أسهم في إنتاجها بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وجميع الأسرار المهنية المتعلقة بالعمل أو المنشأة التي من شأن إفشائها الإضرار بمصلحة صاحب العمل»، وعلى ذلك أريد أن أوضح - للقارئ الكريم - أن جريمة إفشاء الأسرار لا تقوم إلا بتوفر ثلاثة أركان، هي:

أولا: الركن المادي، وهو إفشاء السر، وهو كل ما يضر إفشاؤه بالسمعة والكرامة والنفس والمال بشخص صاحبه، ويستوي أن يكون الضرر ماديا أو معنويا، فالمريض الذي يعاني من مرض معين قد تكون له مصلحة في أن يبقى سر مرضه لدى طبيبه (فقط).

ثانيا: صفة المؤتمن على السر، إذ يقتضي فعل الإفشاء أن يكون قد جرى الإفضاء بالسر إلى الغير، وأقصد بالغير أي شخص لا ينتمي إلى فئة أصحاب المهن التي ينحصر فيها نطاق العلم بالواقعة أو بالمعلومات التي توصف بالسر، كأن يتم النقاش بتلك المعلومات بين عدة أطباء ضمن الفريق الطبي الذي يعالج المريض، أو الدراسة ضمن مجموعة المحامين الذين يتولون الدفاع عن المتهم، أو الحديث بين الموظفين المصرفيين الذين ينظمون حسابات أحد العملاء، فلا يعتبر ذلك إفشاء للسر، أما إذا كان الإفشاء بالسر إلى غير الفئة التي ينحصر فيها العلم به، ولو كانوا من المقربين لصاحب السر، يعتبر جريمة تثور المسؤولية الجنائية على ما قام بإفشائه.

ثالثا: الركن المعنوي يعتبر إفشاء الأسرار من الجرائم العمدية، التي تتطلب توفر القصد الجنائي لقيامها، فلا يعتبر المؤتمن مرتكبا لجريمة إذا لم يتوفر لديه القصد السيئ في إفشاء الأسرار.

إن حفظ الأسرار وكتمانها أمانة يجب الوفاء بها، وقد حثنا ديننا الحنيف عليها، وحذرنا من إفشاء الأسرار والتفريط بها. والإنسان الذي يطلع على أسرار الآخرين بسبب مكانته ويفشي أسرارهم في الجلسات الودية بين أصدقائه أو أقربائه ونحو ذلك؛ يعد فعله من الجرائم التي يحاسب عليها.

expert_55@