مرزوق بن تنباك

أنا حيران وللأمر وضوح والتباس

الثلاثاء - 03 نوفمبر 2020

Tue - 03 Nov 2020

يقول التاريخ ولا أدري عن صحة ما قال: إن الباي في الجزائر غضب غضبة مضرية، وجيش الفرنسيين المدجج بأحدث ما أنتجته الثورة الصناعية في أوروبا يحيط بالجزائر، عندما جاء المندوب السامي الفرنسي إلى الباي يطلب منه السماح برسو السفن الفرنسية على بعض الموانئ الجزائرية، واحتد بينهما الجدل وفي يد الباي مروحة من سعف النخل يروح بها عن نفسه، فضرب بها وجه المندوب السامي الفرنسي، وهي كل قوته العسكرية التي يستطيع بها مواجهة فرنسا، استغلت فرنسا ذلك العمل وجعلته سببا لاحتلال الجزائر وفرنستها لأكثر من مئة وخمسين سنة.

وهو إن صح خطأ وسوء تقدير للعواقب لا يعدله منذ حدث في القرن التاسع عشر غير أخطاء وسوء تقدير للعواقب تحدث منذ ثلاثين سنة وإلى أمس قريب، منها أن تصرفات رجل واحد فرد أقام في السودان دمر سفارتين لأكبر قوة في العالم فدمرت القوة الغالبة دولة السودان، وقسمتها وأشعلت فيها الحرب ثلاثين عاما، وقتلت آلاف الأبرياء من أبناء دينه وجنسه، وزادت أخطاؤه وعدم وعيه لخطورة نشوته، فأرسل وهو في كهف من جبال أفغانستان جنده فدمروا برجي نيويورك، فكان ثمن ذلك أن قامت القوة الظالمة الغاشمة أمريكا بتدمير دولة أفغانستان ودولة العراق، بل دمرت العالم العربي كله، وما زالت مستمرة في التدمير والإذلال لكل من ينتمي لدين ذلك الرجل وجنسه. واليوم يقتل شاب طائش مخبول رجلا في بلده مسالما مهما كانت جريمته منكرة، غير مقدر لعواقب ما سيحصل. وسيدفع أهل دينه ثمن حماقاته وأولهم المسلمون المستضعفون في فرنسا وفي أوروبا وفي الغرب كله، وأكثرهم جاؤوا للغرب هربا مما يرون من حماقات في أوطانهم ومنهم هذا القاتل الشرير.

السؤال المحير ليس عما يفعل هؤلاء، السؤال هو: ماذا يفعل المسلمون إذا كان هؤلاء يحسبون عليهم وينسب ما يقومون به إلى دينهم وإلى تراثهم، وسيجعل أعداؤهم أعمال أولئك سببا يواجهون العرب والمسلمين به وقد يقتصون منهم كما فعلت أمريكا؟

من المؤسف أن أعمال هؤلاء الشريرة هي ما يحكمك وما يحسب عليك وما ينسب لك، شئت أم أبيت، إن كنت عربيا أو مسلما. والعقاب القاسي الذي ستقوم به الدول التي تتعرض للحماقات الصبيانية سيكون موجها إلى الدين وأتباعه وليس إلى الحمقى وتصرفاتهم.

الأعمال الشريرة والقتل والانتقام تحدث في العالم كله، وهي مرفوضة إنسانيا وعالميا، لكن أن نكون بهذا الوضع الذي نحن فيه من الضعف والتشتت وعدم القدرة على مواجهة متكافئة مع العالم، ويقوم أفراد هاربون من الواقع بأعمال ضارة بالإسلام ومحسوبة عليه ودون مسوغ شرعي، مع انتفاء المصلحة منها وتتحقق المضرة، فذلك هو الافتئات على الإسلام والمسلمين.

سيقرأ بعضنا هذه الكلمة على أنها دفاع عن الغرب وتبرير لمواقفه كما اعتدنا دائما، وسيأتي بعشرات الأمثلة على حرب الغرب لنا ولمقدساتنا وللمؤامرات ضدنا، وسيصنف كاتبها أيضا بما يخطر علينا من تصنيفات حفظناها عن ظهر قلب، وسنأتي بعشرات الأحداث المروعة والأعمال الشريرة التي قام بها الغربيون أفرادا وجماعات وسنذكر ونؤكد براءتنا من هذه الأحداث، وأنها من عمل المخابرات العالمية، مثلما كنا نزعم ونقول عن فظائع أعمال القاعدة وعن أعمال داعش المتوحشة، وعن كل جريمة شنعاء يرتكبها أبناؤنا، ونزعم أنها بتدبير أعدائنا كما نكرر ذلك كلما حدثت فاجعة لا نستطيع تبريرها، وذلك هو البلاء الذي يلازمنا، إذ لم نستطع الخروج من شرنقة الماضي والأوهام والمنامات والأحلام التي نحلم بها في الليل، ويطبقها السذج في وضح النهار.

القفلة عن ابن زيدون:

أنا حيران وللأمر وضوح والتباس.

Mtenback@