عبدالله العلمي

الدولة ذات الجيوب المثقوبة

الأربعاء - 28 أكتوبر 2020

Wed - 28 Oct 2020

اندلعت المظاهرات في لبنان بسبب نقمة المواطن على الأسعار والضرائب والبطالة وطبعا الفساد، ولكنها سرعان ما تحولت إلى شغب يدين الدولة والحكم الطائفي وحزب الله. لماذا الاستغراب؟ الفساد في لبنان أسلوب حياة.

لم ترتفع الأسعار فحسب، بل قَلَّ عدد الأرغفة في الكيس الواحد كما قلت الذمة بين السياسيين في مختلف التيارات والطوائف الضاربة في تربة لبنان. آلاف العائلات اللبنانية لن تتمكن من دفع أقساط المدارس هذا العام، أما المدارس الخاصة فلا مقاعد فيها إلا لأبناء رؤساء الأحزاب.

في بيروت يهدد الفقر الرغيف والدواء. لا تسأل عن الكهرباء، فأسعارها أيضا ارتفعت لمن يصله التيار اليتيم لبضع سويعات، إضافة للأغذية المسرطنة وزحمة اللاجئين وأزمة النفايات. الأمور في لبنان تنتهي عادة بإسدال ستار الإهمال.

مستشفيات بيروت تئِن عاجزة عن استقبال المرضى، المواطن يسكن في خيمة ويعيش على فتات المحسنين الأوفياء، أما رجالات الدولة ومن معهم من الحاشية فهم في أحسن حال. النائب يدافع عن الوزير، والوزير يدافع عن مدير البنك، وهكذا. في بيروت انهارت الذِمم كما انهارت الشقق والعمارات.

وصل عدد العاطلين عن العمل في لبنان إلى ما يقارب المليون، بينما التعيينات يتقاسمها الأقوياء، هنا يعرف السياسي كيف يطوِّع القانون، لا أن يطيعه، هنا يكنز السياسيون المليارات بينما كسرة الخبز يتقاسمها الفقراء، هنا التوظيف على الطائفة، مهما تدنت الكفاءة

والجدارة والأخلاق.

انفجارات بيروت سببت خسائر فادحة في الأرواح، مثلها مثل فساد الذمة والاقتصاد. «الهدر» كذبة، المقصود السرقة، هنا ينهب «الصهر» أموال المواطن وينحر السياسي الوطن. مشاهد «عائلية» قاتلة ومهينة ومذلة.

مسكين الشاب اللبناني؛ مبروك التخرج من الجامعة يا ماما، الآن عليك طلب بطاقة هجرة إلى بلاد أخرى، لماذا؟ الدوائر الحكومية والجامعات ميادين تتبارى فيها الطوائف على المراكز والإدارات.

لا مجال هنا للحديث عن المال المنهوب أو الودائع المكنوزة في البنوك الأجنبية، أو النهب والسرقات، الفساد هو النظام الرسمي، والساسة في لبنان لا يلين لهم قلب أو يرفّ جفن، وآخر همهم أوجاع العِباد.

لا تختلف الطبقة السياسية على الاشتراك بحلب البقرة، هم فقط يتناحرون على «النسبة»، لا يهمهم كثيرا أن يتعثر لبنان على حافة الهاوية، بل همهم الوحيد إفقار خلق الله وسلب ما تبقى للمواطنين من مدخرات.

ساذج من يعتقد أن السقوط السياسي في لبنان على مدى أربعين سنة كان مجرد صدفة. إنه الفساد يا سادة، الفساد الذي أتقن السياسيون من خلاله لعبة توزيع الخسائر والأرباح من أموال الشعب المنهوبة بلا حق أو ضمير أو حياء، أما أصحاب الكف النظيف، فكما قرأت، يزاحون بقرار، ويقالون بتوقيع، ويعاقبون بالنسيان.

منذ الصغر ونحن نسمع ونقرأ عن لبنان، واحة الحريات والتسامح والانفتاح، لم نستيقظ إلا بعد السقوط المدوي لجبل «ما يهزك ريح»، كلنا أصبحنا نعلم أن الفساد صُنع بأيد لبنانية «طويلة».

الساسة يقيمون في قلاعهم الحصينة على «الجبل»، أما لبنان الوطن، فقد تحول من مركز مالي عالمي إلى كانتونات بجيوب مثقوبة. تراكم الشرهات أفقد لبنان رونقه وجماله، حتى الطريق إلى «الضيعة» يمر بالناطور، ونهر الليطاني مات، والآمر الناهي هو الدولار.

AbdullaAlami1@