علي المطوع

لبنان المختطف

الاحد - 26 يوليو 2020

Sun - 26 Jul 2020

على المستوى الجغرافي لبنان بلد صغير يقع في الخاصرة السورية ويتمتع باستقلال كامل منذ عام 1943، ونظام سياسي غاية في التعقيد، مبني على المحاصصة بين الطوائف المختلفة والمتفرقة،

عصفت به حرب أهليه لأكثر من 15 عاما فجاء اتفاق الطائف سقفا مشتركا أعلى، ساهم في إيقاف تلك الحرب وإعادة الحياة إلى هذا البلد الذي كان وما زال بؤرة توتر وأيقونة خلاف واختلاف وساحة لتصفية الحسابات بين قوى إقليمية بعضها زال وبعضها الآخر ما زالت تعده الحديقة الخلفية التي تمارس فيها كل أشكال السيادة وحروب الوكالة.

إيران وعبر ممثلها الحزب الأصفر تستأثر بالقيمة العظمى من لبنان على مستوى الإرادة والإدارة وصنع القرار، هذا الحزب لا يعترف بسيادة الدولة ولا يرى في سلطاتها سوى ظرف زماني غاب ولن يعود، والمكان لم يعد لبنان الكيان، بل صار بالنسبة لهذا الحزب مقاطعة إيرانية خالصة يحكمها المرشد الأعلى ويفرض فيها وعليها كل ما يريده وما تقتضيه الولاية وأحكامها ومتطلباتها.

الشخصية اللبنانية كانت رائدة في الحياة العربية في شتى المجالات، وكان اللبناني قادرا على تقمص الحالة التي تقتضي منه أن يكون منتجا ومبدعا وخلاقا، فكانت الهجرات إلى العالم الجديد لزمة لبنانية تؤكد قوة شكيمة هذا الإنسان وقدرته على تخطي ظروف الزمان والمكان وصناعة قصص نجاح في شتى بقاع العالم شواهدها ما زالت تحكي شيئا من قدرة هذا اللبناني وصلابته وعشقه للتحدي.

اليوم الشخصية اللبنانية تقاسمتها الظروف السياسية وأعيد تشكيلها وفق قوانين المحاصصة، فصار اللبناني ولاؤه لطائفته أولا، وذلك لظروف المرحلة وما تقتضيه من إعادة انكماش وتموضع حول البعد الطائفي الذي يرى فيه اللبناني البسيط مرجعية أخيرة تحتويه ويحتمي بها في ظل الفوضى السياسية التي تعصف بالبلد منذ زمن، والتي ساهمت في إبعاد اللبنانيين عن لبنانهم وصيرتهم مجرد كتل نيابية على المستوى السياسي تنتظر حلا شبه توافقي ليعلن من خلاله رئيس الحكومة، وكانتونات اجتماعية تبحث عن ولاءات خارجية تساهم في بقائها حية بين هذا الموج المتلاطم من الأعراق والأجناس والإثنيات، التي صُهرت وصُبت في القالب العربي الأجمل لبنان الكيان الذي كان زمن الاستقلال وما بعده من سنوات يعيش أزهى وأنقى عصوره على الإطلاق.

في هذه الأيام يعيش لبنان أسوأ أزمة يمكن أن يعيشها أي بلد في العالم كونها أزمة هوية وتبعية واستقلال، قبل أن تكون أزمة اقتصاد وخدمات وحياة كريمة، ومع ارتفاع إيقاع المعارضة في الشارع فإن حزب الله ورموزه يواصلون خصامهم مع لبنان الكيان وييممون ولاءهم وتبعيتهم شرقا تجاه إيران مرسخين ثقافة إسقاط مفهوم الدولة وتعرية كل أشكال الانتماء لها ولأرضها وشعبها.

وفوق هذا يمارس في بعض الأحيان نوعا من الإرهاب السياسي والاجتماعي يخوله النزول إلى الشوارع وفرض سياسته على اللبنانيين في كل مناسبة تلوح فيها لبنان الدولة والكيان، ينقض الحزب الأصفر وجنوده مجتثين هذا الكيان لإعادته إلى المفاهيم الطائفية الضيقة لعلمه أن هذه الحالة من الفوضى هي صمام الأمان الذي يجعل الحزب صاحب الكلمة الفصل في لبنان، فيما الآخرون مجرد أرقام أقصى ما تستطيع فعله النزول إلى الشارع والجلوس على المقاهي مرددة (بحبك يا لبنان يا وطني بحبك)، لكنه حب أعزل لا طاقة له بالحزب الأصفر ولا بعمقه في الشرق المسيطر إيران.

alaseery2@