شاهر النهاري

هل العلمانية قادمة يا عرب؟

الاثنين - 26 أكتوبر 2020

Mon - 26 Oct 2020

الرؤية في شرقنا التعيس معتمة غير واضحة المعالم، وكلما نظرنا لجهة منه وجدنا من لا يزال يحقد وينتقم للماضي، ويتسلح ويتنمر ويرهب، ويدعي النزاهة والأفضلية وأنه المكلف الحصري لتنفيذ شرع الله على وجه الأرض، وبالطريقة التي وصلت إليه، فلا يفهم غيرها، بل ويكفِّرُ أي طريقة تختلف معه ولو جزئيا.

مصير ضياع تعيشه أجيالنا العربية، بين كوارث متعاقبة متراكبة متداخلة مستنبطة، فهذا سني سلفي متشدد، وهذا شيعي علوي، وإثني عشري عاهد أولياءه على تصدير ثورة الظلام، وهذا إخواني وسروري يبيع نفسه ومبادئه لبلوغ السلطة، وبين هذا وذاك نجد القاعدة وداعش والنصرة وحزب الله والحوثي وحماس والحشود المسلحة، وغيرهم من الطوائف الإرهابية.

أطياف متعاركة جهرا وتقية، ومنهزمون يعيدون ترتيب صفوفهم، ثم يعاودون الهجمة بمسميات ربانية، وهيئات مخادعة تسعى للسلطة ولسان حال جاهليتهم يؤكد:

إذا سيد منا خلا قام سيد

قؤول لما قال الكرام فعول

والشعوب العربية تظل كالقطعان حائرة خائفة تتقي الضربات المباغتة المخادعة القادمة، وتضطر لبيع عقولها لشيوخ وملالي فرق فاقت الاثنتين والسبعين بكثير، فيزدادون رهقا وتيها، وهم يرون حياتهم وذرياتهم وممتلكاتهم على كف إرهاب، والموت من خلفهم، والهجرة من أمامهم، فرأينا أفعال داعش في سوريا والعراق، وخيانات الإخوان في مصر، وسرطان الحوثي باليمن، واحتلال حزب الله للبنان، ومجازر الحشود المسلحة في العراق، وشرور الإخوان في السودان وليبيا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا بدعم من أموال وأبواق قطر.

وشهدنا صبر الكويت على ضربات الإرهاب، وكيف أن الإمارات والبحرين قررتا تطهير داخلهما وتحصين حدودهما المهددة بالإرهاب الإيراني بالاصطفاف مع إسرائيل ضمن رعاية أمريكية.

السعودية أحبطت خطط الإخوان والسروريين في الداخل، وأطماع خلافة تركيا وخيانات قطر، ووقفت قوية ضد المد الحوثي الإيراني في اليمن، وجمعت إخوتها حولها.

مصر كادت أن تصبح لقمة سائغة لمختلف إرهابيي الشرق، وما تزال تعاني فتنة وتهديد وفوضى إخوان الداخل ومحرضتهم تركيا.

الشعوب العربية لم تسلم من السياسة الدينية، والجماعات الخارجة بمنطق المعتقد هي من يخلق العداء بين الشعوب والحكام، ويخطط لاختطاف السلطة والأمن، ونشر الخوف، وتعميم الفوضى، وغسل العقول بأفكار وأفعال التطرف الديني الشاذ، الذي يهدف للكراسي وطعن قلب الوطن.

العلمانية توطن الهدوء والسلام في حياة دول الغرب، وتضمن حرية الفرد في شعائر دينه، طالما أنه يبعدها عن السياسة والكراسي والعنصرية والفساد.

وهي مفهوم مساواة اجتماعية يسعى لمنع أي محاولات عقائدية لغسيل عقول الناشئة، وتجنيدهم خارج أطر الدولة، والالتفاف على حريات الشعوب وعلى مفهوم اللحمة والمواطنة.

بعض الدول العربية بدأت حاليا في تهيئة مجتمعاتها لدخول تطبيقات العلمانية، على الرغم مما ستقابله من صعوبة التغييرات الثقافية، وتحجر الأفكار، التي تجزم بأن العلمانية دين جديد، وليست مسألة تعايش حياتي منطقي يحترم الدستور والوطن والوطنية والمساواة.

فهل ستجد الشعوب العربية الحل في العلمانية، أم إن درجة الانحراف المتحصل بيننا بعد عدة قرون من الشتات ستعصى على أي حل؟

هذا ما سنراه في القادم القريب، ولا شك أننا سنعيش الرفض، ونحيا المقاومة والإرهاب، ونكتب من المجازر ما قد يفوق مجازر الماضي.

العلمانية علاج بشري عصري للأزمات الحياتية العقيمة، وفكر يقدم الحياة والهدوء والنماء على ثقافة الموت.

alnahariShaher@