سالم الكتبي

تركيا وحماية النظام القطري

الاحد - 25 أكتوبر 2020

Sun - 25 Oct 2020

أكثر ما يثير السخرية من الأحداث والتطورات السياسية التي دارت في الآونة الأخيرة، هو تلك التصريحات التي أدلى بها «السلطان» التركي رجب طيب إردوغان عشية زيارته مؤخرا لقطر، حيث قال إن التواجد العسكري لبلاده في قطر «يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج»، ولم يكتف إردوغان بهذه الأكذوبة المكشوفة، بل أضاف أنه «يجب ألا ينزعج أحد من تواجد تركيا وجنودها في الخليج، باستثناء الأطراف الساعية لنشر الفوضى»!

هذا الحديث نصا هو ما يتكرر على ألسنة القادة الإيرانيين، الذين لا يكفون ليل نهار عن ترديد المزاعم الخاصة باعتبارهم قوة حامية للأمن والاستقرار في منطقة الخليج العربي، وأن «المناورات العسكرية» التي يجريها الحرس الثوري والجيش الإيراني ليست إلا تحقيقا لهذا الغرض، وأن قوة إيران هي قوة مضافة لدول المنطقة، وهي مزاعم عارية تماما من الصحة، ولا يصدقها سوى من فقدوا عقولهم واستسلموا لدعاية الملالي وعملائهم الطائفيين المنتشرين في منطقتنا الخليجية والعربية.

لم يقل لنا إردوغان كيف لوجود عسكري تركي في قطر أن يخدم الاستقرار والسلام في منطقة الخليج؟ وكيف للحماية التركية التي يوهم بها «نظام الحمدين» أن تحقق هذا الهدف؟ ثم كيف يتحقق الأمن والاستقرار في ظل هذا الوضع غير المسبوق؟ وهل تتمنى تركيا بالفعل أن يسود السلام ويتحقق الاستقرار في علاقات النظام القطري مع بقية دول مجلس التعاون أم إن مصلحة «السلطان» هي في الحقيقة تتمحور حول استدامة الخلافات والانقسامات؟ تبدل الأوضاع يعني حتما انقطاع موارد الخزانة التركية من أموال الشعب القطري التي يستنزفها «السلطان» بدعوى حماية النظام من السقوط!

لا غرابة في مثل هذه المبررات، فتركيا اعتادت الأكاذيب وتزييف الحقائق، فهي ترسل الميليشيات إلى ليبيا دفاعا عن حكومة يرفضها شعبها، وتتدخل عسكريا في شمال العراق بشكل فج ثم تدعي أنها تلتزم باتفاق سبق توقيعه مع حكومة بغداد، وتبادر إلى دعوة رئيس الوزراء العراقي إلى زيارة أنقرة، وتحتل أجزاء كبيرة في شمال سوريا بدعوى ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني ومكافحة ما تسميه بالإرهاب، ثم تتمركز على الأرض بانتظار تقاسم المصالح والعوائد الاستراتيجية مع بقية الأطراف المعنية، وتزعم أنها ليست باقية في الأراضي السورية إلى الأبد وأنها «ستنهي وجودها في هذا البلد بمجرد إيجاد حل دائم للأزمة» كما يقول إردوغان نفسه، ما يدعو للتساؤل: كيف يمكن إيجاد حل دائم للأزمة السورية في ظل وجود عوامل مسببة للتوتر واستمرار الصراع كما هو الحال مع وجود قوات تركية غازية على الأراضي السورية؟! وما هي علاقتهم بإيجاد حل دائم أو مؤقت للأزمة في ظل وجود القيادة والحكومة السورية التي يفترض أن تمنح فرصة لاستعادة السيطرة مجددا على كامل التراب الوطني.

يقول إردوغان إن الوجود العسكري التركي في قطر يزعج بعض الأطراف التي هدفها نشر الفوضى في المنطقة، وهذا كلام مثير للسخرية أيضا لأن تركيا هي الطرف الأكثر استفزازية في العالم خلال المرحلة الراهنة، بتدخلاتها العسكرية غير المشروعة في دول وأزمات عدة في آن واحد، فهي تتواجد للقتال وإثارة التوتر في ليبيا وسوريا والعراق وشرق المتوسط وأزمة «ناجورنو كارباخ»، وتتمدد عسكريا بقواعدها في البحر الأحمر وقطر فضلا عن ليبيا، ومعظمها أطراف لا تشترك في حدود جغرافية مع تركيا، أي لا يمكن للسلطان وحاشيته الادعاء بالدفاع عن الأمن القومي التركي، بل الهدف واضح وهو إحياء العثمانية التي يحلم بها السلطان ولم يعد يخفيها، بل بات يتحدث عنها علانية!

الحقيقة أن آخر ما يتمناه «السلطان» هو أن يفيق النظام القطري من غفوته الاستراتيجية ويدرك حجم الأخطاء التي ارتكبها بحق دول الجوار، فقد اعترف إردوغان نفسه بما يؤكد أن الخزانة القطرية باتت طوق الإنقاذ للاقتصاد التركي، حيث أشار إلى وجود 500 شركة تركية تعمل في قطر الآن، وأن شركات المقاولات التركية تولت تنفيذ مشاريع تقدر قيمتها بنحو 18.5 مليار دولار.

الحقيقة أيضا أن قطر التي تستضيف على أرضها أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (العديد) لا تحتاج لحمايتها - إن كان بالفعل هناك أي تهديد لأمنها كما يزعمون - قوات تركية أو غير تركية، ولكن الواضح أن هذه القوات هي بالفعل لإشعال أجواء الاستقطاب الإقليمي، وتوسيع فجوة الخلافات والانقسامات وحماية «نظام الحمدين» من أي غضب شعبي قطري، وهي مهمة لن يقوم بها سواها باعتبار أن هذا النظام هو الضمانة الوحيدة لاستمرار فتح خط الأموال القطرية المتجهة مباشرة لإبقاء الاقتصاد التركي على قيد الحياة بعد أن انهار سعر الليرة التركية وبلغ مستويات قياسية جديدة أمام الدولار الأمريكي.

الخلاصة أن إردوغان حاول خلال زيارته أخيرا إلى قطر إيهام الجميع بأن بلاده تحمي الدولة القطرية، في محاولة واضحة لصرف الأنظار عن الهدف الحقيقي لزيارته، وهو الحصول على مزيد من أموال الشعب القطري، في تجسيد لعلاقة استعمارية تعيد للمنطقة ذكريات صفحة قديمة من التاريخ على يد السلطان الذي يحن إلى ذكريات الماضي الاستعماري لبلاده.

@salemalketbiar