عبدالحليم البراك

أسهل علاج للتعصب الرياضي

الاثنين - 19 أكتوبر 2020

Mon - 19 Oct 2020

مع بداية هذا الموسم الرياضي جدير بنا أن نناقش الحلول الممكنة للتعصب الرياضي، ولو سئلت من أين يبدأ الحل للتعصب الرياضي فسأقول بأنه يبدأ بك، قبل ذلك المتعصب الذي سوّد الأجواء بتعصبه، فلندرس الحالة إذن:

- المتعصب الرياضي يبالغ كثيرا في تعصبه لدرجة التطرف، ولولا أنه غير مدان لما استمر في ذلك، فنحن لا ندين التعصب بدرجة كافية، ولا نعتبره سوءة سلوك واعتقاد، والعبرة هنا تقول «أدن التعصب الرياضي ولو كان من الطرف الذي تحبه».

- المتعصب يبحث عن الأضواء من خلال تعصبه، فالتعصب يرفع أسهمه، ويتداول الناس مقولاته وتغريداته، بهدف رفع ضغط الفريق المقابل، دون أدنى عقلانية، والعبرة تقول «تجاهل المتعصب تماما و لا تمكّنه من هدفه وهو الشهرة، حتى لو كان المتعصب الباحث عن الشهرة من فريقك المفضل».

- المتعصب يرى من زاوية مختلفة وخطرة، وهي زاوية الحب الأعمى غير العقلاني، فهو يضع الأولوية لفريقه حتى ولو على حساب الحقيقة والصدق والمنطق، ولو دفعه الأمر للكذب وتزوير الأحداث ومخالفة المنطق لفعل كل هذا بلا حرج، ومن هنا تأتي العبرة لنا «تعصب للمنطق والصدق والحقيقة والصواب، ولو كان ضد فريقك الذي تشجعه وتميل إليه، لحظتها لن يجد المتعصب نافذة أو زاوية ينطلق منها!».

- المتعصب يهرب من النقاش العقلاني إلى النقاش الأحادي، ومن الرأي المتعدد والممكن إلى الرأي الواحد غير القابل للجدل فيه، وبهذه الطريقة ينمو تعصبه شيئا فشيئا، ولذلك «افتح عقلك للآخر، وادفع من حولك للاستماع للآخر حتى لو كان هذا الرأي لا تؤمن به، فالإنصات للآخر يعطيك ثقة في رأيك إن كان رأيك حقا، أو يمنحك فرصة للمراجعة إن كان باطلا خفي عليك بطلانه!».

- المتعصب إنسان غير شجاع إطلاقا، فلو استمع لباطل من متعصب مثله ملأه الصمت عنه، فقاعدته تقول «اقهر الآخر ولو بالباطل»، بينما أنت يا من تحاول حل إشكالية التعصب «اقتل المتعصبين بالشجاعة، وقل للمخطئ: أخطأت، وللمصيب: أصبت، بغض النظر مع من كانت الحقيقة».

- المتعصب متناقض، فهو مع فريقه إن كان الحق معه، وهو مع فريقه إن كان الحق مع الآخر، ولا يستقيم المتعصب لأنه استقام على التعصب ولم يستقم على الحق، أما أنت «فاستقم على الحق والصواب بلا تعصب إلا للحق ولو كان على نفسك».

- كل هذه الأفكار ليس هدفها معالجة المتعصب، فلها باب آخر، بل علاج أنفسنا قبل أن نرفع قدر المتعصبين أو ننساق للتعصب أو ندعم برنامجا متعصبا وكاتبا متعصبا ومتحدثا متعصبا صنع عقله في المدرجات، ولم يصنع في معامل التفكير والعقل السليم!

وتعلم يا صديقي ألا تترك نفسك على هواها، فإن ذهبت بك الأهواء نحو التعصب، واحتقن دمك على شيء لا يستحق، ونالت منك كرة القدم غضبا أكثر من غضبك لو تأخرت دراسة ابنك أو فاته علم، أو غضبت من رياضة ولم تغضب من حالة إنسانية مؤلمة كالفقر والمرض، أو أنك رأيت الظلم ولم تغضب لكنك غضبت من هدف غير صحيح؛ فاعلم أنك في الطريق الخطأ، فقاوم تعصبك بالتخفيف منه وإلا ستكون أنت أحد ضحاياه، وسيكتب الناس كيف يمكن علاجك وكيف يمكن تجنبك وكيف يمكن التقليل من الناس أمثالك!

أخيرا، هذه ليست حلولا للتعصب الرياضي فحسب، بل هي حلول لكل حالات التعصب الديني والقبلي والعرقي وتعصب الرأي، وأي حلول للتعصب الرياضي مع بعض التحويرات البسيطة هي حلول في الوقت نفسه للتعصبات الأخرى، نريد أن نفتح عقولنا وآفاقنا نحو قتل هذه الآفة القاتلة، وهذا لا يعني ألا نميل ذلك الميل البشري الطبيعي للأديان أو أعراقنا، بل يعني أن نهذب هذا الميل، ونجعله إيجابيا يصب في صالح الناس والوطن، ولا يزيد عن حده لدرجة أن يقتل فينا الصدق والحقيقة والعدل!

Halemalbaarrak@