نايف الضيط

استبصار المستقبل

الخميس - 08 أكتوبر 2020

Thu - 08 Oct 2020

تبدو كلمة استبصار مفردة غريبة للقارئ، إذ يعتقد البعض من الوهلة الأولى أنه ترف فكري وتنظير لا طائل منه. الاستبصار كلمة عربية معناها: الوصول إلى علاقة ذات معنى بين مختلف أجزاء الموقف والتوصل إلى فكرة جديدة.

واستبصار الهلال: إبصاره بعد تطلع وترقب، واستبصار الأمور النظر إليها ببصيرة وتأمل. وتتكون كلمة الاستبصار في اللغة الإنجليزية (foresight) من جزأين: fore تعني قبل، وsight تعني الإدراك.

ويعرّف ريتشارد سلوتر مؤلف كتاب «الدراسات المستقبلية.. إطار مفاهيمي» الاستبصار بأنه القدرة على إنشاء رؤية مستقبلية عالية الجودة ومتماسكة وعملية والحفاظ عليها واستخدام الرؤى بطرق مفيدة من الناحية التنظيمية.

استبصار المستقبل ليس التنبؤ بما سيحدث، ولا معرفة علم الغيب ولا ما وراء الطبيعة، أو إلهاما إلهيا كما يدعي المنجمون والمشعوذون، وإنما هو جمع للمعلومات طويلة المدى لبناء رؤى لتمكين صناع القرار من اتخاذ القرارات الأمثل لمواجهة التحديات المستقبلية.

بدأت فكرة الاستبصار في المدرسة «الجشطالية» الألمانية التي ظهرت في بدايات القرن المنصرم، وشارك في تأسيسها عدد من العلماء، مثل ماكس فريتمر وكوهلر وغيرهم، ومن ضمن مفاهيمها الاستبصار الذي يعنى بفهم الموقف والربط بين أجزائه وطريقة عمله للتوصل إلى الحلول المناسبة له. وتولي المنظمات الكبرى اهتماما بعلم الاستبصار من خلال جمع البيانات وتحليلها لمساعدتها في فهم الاتجاهات المستقبلية، واستخدام التوقعات والتقديرات المحتملة للأحداث التي تكون نتائجها غير مؤكدة، وتحليل القضايا الناشئة واكتشاف الأنماط بينها، وجمع المعلومات والبحث لفهم العلامات المبكرة للتطورات المحتملة، وتوقع التغيير وإنشاء الخطط لمواجهته.

لقد كشفت جائحة كورونا المستجدة «كوفيد 19» ضعف النظم الاقتصادية والتقنية والاجتماعية والسياسية ومدى التعقيد والتنسيق الدوليين، لذا دعت مجموعة العلوم التي تضم عددا من العلماء والجامعات ومراكز الأبحاث، والتابعة لقمة دول العشرين التي ستعقد قمتها في الرياض في نوفمبر المقبل إلى تبني علم استبصار المستقبل بطرق علمية ومنهجيات قائمة على البيانات ومشاركة الأبحاث، ونظم دعم القرار التي تستخدم المحاكاة والنمذجة، كما أوصت المجموعة بتبني أبحاث الاستبصار العلمي الذي يمتلك أدوات لفهم النظم العالمية المعقدة.

لم يعد بمقدور الدول والمنظمات مواجهة التحديات دون وجود بيانات ومعلومات، حتى تكون القرارات معتمدة على منهجية صحيحة. ومن أبرز التحديات وباء كورونا الذي أعجز الأنظمة العالمية وكشف هشاشة بنيتها، وكذلك الاختلال البيئي المتمثل في تغير المناخ والانبعاثات الكربونية، واتساع الفجوة الرقمية، إذ لا تزال هناك مجتمعات لا تملك التقنيات، وخدمات الاتصالات والإنترنت.

ختاما، نحن بحاجة للاهتمام بعلم المستقبليات وإدخاله في المناهج التربوية، ووجود مراكز للدراسات المستقبلية تتبنى المنهجيات الحديثة والتقنيات الناشئة لنستطيع مواجهة التحديات التي قد تؤثر على مجتمعاتنا وعلى العالم برمته، وتقييم الأولويات ومعرفة الاتجاهات المحتملة وربطها بصنع السياسات.

mesternm@