عبدالله علي بانخر

اليوم الوطني السعودي التسعون.. إعلانيا وماليا

الأربعاء - 07 أكتوبر 2020

Wed - 07 Oct 2020

لا يزال الحديث متصلا للمرة الثانية عن اليوم الوطني السعودي التسعين من الناحية الإعلانية، وتحديدا من حيث الإنفاق الإعلاني في الصحف اليومية السعودية. وتعد هذه المناسبة الغالية على قلوب الجميع أحد أهم مواسم الرواج الإعلاني في الصحف اليومية كل عام. وعلى الرغم مما تعاني منه الصحف اليومية ومؤسساتها الصحفية من تحديات ضخمة منذ فترة غير قصيرة، إلا أن اليوم الوطني يظل علامة فارقة إعلانيا.

وتعد المناسبة مؤشرا ولها ما يميزها من دلالات واقعية لمداخيل الصحف اليومية على مدار العام.

وقبل أن يبدأ الحديث عن تلك الدلالات والمؤشرات، لعله من المناسب أولا التوقف للتأمل في وضع المؤسسات الصحفية السعودية ومطبوعاتها بشكل عام، وقبل التركيز على الإعلان بشكل خاص. فقد عانت الصحف اليومية ومؤسساتها بالطبع في السنوات الأخيرة من تراجع كبير في أرقام التوزيع للنسخ الورقية، وبالتالي تراجعت المداخيل الإعلانية والتوزيعية بشكل مذهل، مما دعا المؤسسات إلى محاولة التكيف مع الوضع رقميا، وإن أتى ذلك بشكل غير متوازن، ومتأخرا نسبيا مع طبيعة التحول الرقمي المطلوب.

ومما لا شك فيه أن ما أصاب الصحف السعودية اليومية ظاهرة عامة عانت منها جميع الصحف اليومية في جميع أنحاء العالم، إلا أنه ليس بالضرورة متطابقا في الإمكانات والظروف. ونظرا لما تمثله الصحف اليومية من تميز في السوق السعودي على وجه الخصوص، فقد تسيدت الصحف اليومية المشهد الإعلامي والإعلاني في المملكة حتى سنوات قريبة مضت وربما لا تزال. وكانت الصحف اليومية تمثل 74% من الإنفاق الإعلاني للسوق المحلي عام 2010م قبل أن يبدأ التراجع التدريجي أو ربما الانهيار المتسارع بعد ذلك، مما أدى إلى من نلمسه مؤخرا من تغييرات جذرية في الهياكل الإدارية والتحريرية لأغلب المؤسسات الصحفية السعودية. لا نقصد هنا تقليص أعداد العاملين في الصحف فحسب، بل تجاوز الأمر ذلك إلى تغيير القيادات الإدارية والتحريرية مرات عدة في أغلب المؤسسات، دون تحقيق تحسن ملحوظ في تلك المؤسسات.

وقد كان الأمل معقودا على أن تغير أغلب القيادات بقيادات شابة نسبيا لتقديم الأفضل، إلا أن الأفضل لا يزال متأخر الحدوث إلا فيما ندر، وقد لا يأتي ما لم يتم الإتيان بحلول أنجح وأنجع، ومن خارج الصندوق التقليدي في إدارة وتحرير تلك المؤسسات أو مطبوعاتها.

وكما يقال دائما ربما ضارة نافعة، فقد أدت الظروف الصحية أولا، ثم الظروف الاقتصادية ثانيا، وربما التغييرات المستمرة في الإدارة والتحرير لهذه المؤسسات ثالثا، إلى إطلاق رصاصة الرحمة على ما تبقى من الصحف الورقية، مما أسهم في تحولها جميعا إلى العمل الرقمي طوال فترة الجائحة. ويبقى السؤال قائما: هل أسهم كل ذلك في تحسن الوضع بالنسبة للمؤسسات الصحفية وإصدارها؟

لتظل الإجابة معلقة بشكل مقلق لا ينم عن رؤية أي ضوء في نهاية النفق أو على أي بارقة أمل في الأفق.

وفي تقرير للمركز العربي للدراسات بارك حول وضع الوسائل المطبوعة، خاصة الصحف اليومية، يقدر الانخفاض في الدخل الإعلاني خلال النصف الأول من عام 2020م بـ 28% عن الفترة نفسها في العام الماضي 2019م.

وبالاستفسار عن هذا الانخفاض الكبير يؤكد سامي رفوول (مؤسس بارك ورئيسها) أنه يمكن تدارك الأمر ومعالجته أو التعامل معه بشكل أفضل قبل نهاية العام لتخفيض الانخفاض. ويظل التفاؤل مسيطرا على الوضع من الناحية التسويقية والترويجية وبالتالي الإعلانية، خاصة إذا ما تم دعم المؤسسات الصحفية وفقا لبرامج محددة للتعافي نسبيا أو جذريا.

وبالعودة لليوم الوطني السعودي التسعين لهذا العام، فقد أصدرت إبسوس تقريرها بإجمالي الدخل الإعلاني لهذا اليوم الأغر، ووفقا لقوائم الأسعار المعلنة يصل إلى 6.6 ملايين دولار أمريكي، أي ما يعادل 25 مليون ريال سعودي.

وعند تحري الدخل الصافي للصحف من هذا الإجمالي، وبعد تقدير نسب الخصومات البيعية، علاوة على الحوافز الأخرى المقدمة غالبا للمعلنين في هذه المناسبة؛ يمكن تقدير الصافي المتحقق للمؤسسات الصحفية بثلاثة تقديرات محتملة:

- التقدير الأول والمتفائل نسبيا، فوفقا لما اعتادت عليه الصحف في السابق من نسب خصومات تصل إلى 50%، يتوقع أن يبلغ صافي الدخل 12.5 مليون ريال.

- التقدير الثاني والأسوأ نسبيا، فيقدر الصافي في حدود 20% نظرا للصفحات التحريرية المقدمة مجانا في بعض الصحف حوافز إضافية للمعلنين، مما يخسف بالصافي المتحقق إلى حدود 5 ملايين ريال تقريبا.

- أما التقدير الثالث والأكثر قربا من الواقع، فقد قدر الصافي في حدود 33% من الإجمالي المرصود، بقيمة تصل إلى 8.3 ملايين ريال.

وقد رجح إيلي عون مدير شركة إبسوس في السعودية والخليج أن نسبة 33% من الإجمالي هي التقدير العادل لصافي مبيعات الوسائل الصحفية، مما يجعل المؤسسات الصحفية الآن في تنافس محموم، ليس فيما بينها مباشرة فحسب، ولكن مع الوسائل الأخرى أيضا، خاصة التليفزيونات وإعلانات الطرق غير المباشرة.

وبعد أن كانت تحظى الصحف المحلية بصاف يتراوح بين 50-60% قبل سنوات ليست بالبعيدة، قاربت نسب الخصم الممنوحة للوسائل الأخرى غير الصحفية أو المطبوعة بشكل عام.

وبما أنه لم يعد هناك مجال للبكاء على اللبن المسكوب أو حتى رثاء العسل المهدور، فإنه على المؤسسات الصحفية مجتمعة التحرك سريعا لتدراك الأمور تقنيا وفنيا وإداريا وتحريريا.

ولعل التحدي الأهم من وجهة نظري المتواضعة يكون عادة في التنافس على الفتات المتبقي دون استحداث طرق جديدة لزيادة المداخيل، عن طريق تكبير الكعكة برمتها وليس مجرد شريحة منها، مثل إعادة الجهات الرسمية النظر في نظم وتشريعات المؤسسات الصحيفة، التي تحد من فاعليتها، إضافة إلى قيام هذه المؤسسات بعدد من الإصلاحات المهنية التي تتناسب مع وضع الصحافة اليوم، ليس في المملكة فحسب بل في جميع أنحاء العالم، لاختبار الأنسب منها لأسواقنا العربية.

علاوة على إعادة النظر في تسويق المحتوى المقدم من كل صحيفة بقيم اقتصادية مكافئة للتكلفة والتنافسية والربحية، بسياسات تسعيرية مناسبة للمستثمر الإعلاني في هذه الصحيفة.

كما لا يمكن إغفال أن التحدي الأكبر يكمن في تدني اقتصادات وسائل الإعلام الرقمي الجديد إلى أرقام بيعية لأعداد أكبر من الجماهير الرقمية (مع ضرورة التحقق من صحتها) بأسعار أقل تصل إلى 10% من أسعار الإعلانات على الصحف الورقية.

ولعل مراكز البحث على الانترنت وقوقل تحديدا ومثيلاتها، إضافة إلى عديد من التطبيقات الالكترونية الحديثة تستنزف ما تبقى من إنفاق إعلاني متاح في السوق السعودي.

وعلى الرغم من أن الوسائل الإعلامية الصحفية هي الأساس في صناعة المحتوى الإعلامي ورقيا كان أم رقميا، إلا أن ما يصلها من دخل إعلاني يكاد يلامس فتات الفتات، وبشكل غير متكافئ أو متوازن مع مداخيل المنصات والمحركات الرقمية.

فقد كانت المبيعات الإعلانية تحتسب لكل ألف متلق وبأسعار شبه معقولة في السباق، إلا أنها اليوم أصبحت بمئات الآلاف وربما الملايين وبأسعار زهيدة القيمة.

ويحدونا الأمل في عودة أقوى لصناعة المحتوى الإعلامي بصفة عامة والمحتوى الصحفي السعودي بصفة خاصة، ولكن لن يكون ذلك إلا بحلول ناجعة تصوب نحو تحديث أنظمة المؤسسات الصحفية بشكل عام قبل التوجه إلى إعادة الهيكلة التنظيمية لتلك المؤسسات العريقة نسبيا.

كما يتطلب الأمر أيضا إعادة دراسة سياسات التسعير والترويج والإعلان بشكل أفضل مما هو عليه الوضع الآن. ولا يزال التحسن ممكنا للوسائل المحلية السعودية كنتيجة حتمية لقوة اقتصادات السوق السعودي، والآخذة في التحسن - بإذن الله - بفضل سياسات وجهود المملكة الرشيدة، التي تحمل كل تباشير الخير لهذا الوطن الكريم والمعطاء. وزاد خيرك يا وطن، ودام عزك يا وطن.

aabankhar@