شاهر النهاري

أحلام الثراء من عملات الدمار

الاثنين - 05 أكتوبر 2020

Mon - 05 Oct 2020

بعد هزيمة اليابان في الحرب العالمية الثانية، تسابق مستشرفو حلم الثراء العالمي بأعين متشوقة يكنزون أوراق الين الياباني، الذي توقعوا ارتداده لقيمته الأولى سريعا، ولكنه لم يبلغها حتى يومنا هذا، وبعد مرور ما يزيد على الثمانين عاما من انهياره، رغم طغيان قوة اليابان الاقتصادية.

وعلى مثل ذلك كان ‏حال الليرة الإيطالية المنهارة، فعموما لم يحدث أن عادت عملة لثمنها بسهولة وسرعة.

وبعد الحرب الأهلية في لبنان أصبحت الليرة القوية حلم المتفائلين الحالمين، الواهمين، فكنزوها بكل الطرق، ولكنها مع الوقت أصبحت شبه رماد في خزائنهم، تزداد انزلاقا، حتى يومنا تظل تتوالى عليها الضربات القاتلة، بحيث لم يعد لها قيمة تذكر!

وفي إيران ومنذ حربها مع العراق، وحتى يومنا، يظل ريالها ينهار، مهما يعملون له من إنعاش قلبي وتحسينات وحذف للأصفار، ليظل الحالمون يحتضنون ريالاتهم، بوعد بالثراء لم يحضر طوال الأربعين سنة الماضية.

وفي حرب تحرير الكويت تعاظمت أحلام كثير من أبناء الوطن العراقي، والدول القريبة منه، على قدر ما كانوا يقامرون بطلب كسب في الغيب، جراء المتاجرة بالدينار العراقي، والذي كان ثمنه يعادل ثلاثة دولارات أمريكية قبل غزو الكويت، وقبل أن تتوالى عليه الصدمات القاتلة وينتحر وسط أرض محروقة وسياسة فاسدة، وفوضى وإرهاب، أفقدته هيبته وقيمته. ويظل الحالمون بألقاب المليونير والملياردير ينتظرون، ويكدسون كتل الأوراق الخضراء في منازلهم من هذا الدينار، ليصبح مع الوقت مدعاة إهمال وعائقا في مكان تخزينه، ودونما قيمة تذكر عند الصرافين.

واحترقت دول الشرق العربي بما سماه البعض ربيعا، وظل الحالمون يقامرون، ويحسبونها بكل تفاؤل، ويكنزون، ويملؤون خزائنهم بالأوراق، التي يثبت الزمن أنها لا تعود لأسعارها القديمة إلا في أحلامهم، مغلفة بذكريات وطموحات وخيبات، حين يستصبح أصحابها بكراتينها، وينفثون ما في صدورهم كلما فقدوا شيئا وحاولوا زحزحتها عن مكانها.

الحلم المحترق لا ينتهي، فتم شراء الليرة السورية، والريال اليمني، والجنيه السوداني، والدينار الليبي، والشلن الصومالي، والليرة التركية، وقد يستمر تعاظم جنون الحلم، فيجري الشراء مرات متعاقبة لتعويض الفارق، عند وقوع أي حدث سياسي أو اقتصادي، أو انطلاق إشاعة بعودة العملة المتحللة المكنوزة لقيمتها القديمة، وقرب أيام تعاظم أحلام الثراء.

قيمة عملة أي دولة تعتمد على وجود قيادة حكيمة واعية عادلة تعرف ماذا تفعل، وكيف تستمر في محاربة الفساد، وتجرمه حتى على كبارها دون تمييز، ووجود اقتصاد حر، واستثمارات مدروسة مجدية في الداخل والخارج، ووجود مكنوز سبائك ذهبية توازي العملة في البنك الدولي، ومدى قدرة قيادة الدولة على تسيير السياسة الداخلية والخارجية، دون اصطدامات عنيفة، ودون تدخلات في مسارات غيرها من الدول، والإبقاء فقط على أهميتها وقيمتها ونمائها ورخائها، وحصانة حدودها، وقيمة شعبها.

العملة مؤشر جلي لمعرفة أحوال دولة معينة، وثقة المتعاملين مع اقتصادها، والمثال على ذلك عملة الكويت، التي عبرت مرحلة الغزو دون اختلال، ودون أن يحلم المتاجرون بثراء يتأتى من ترديها.

والعملة القوية، تكون مرتبطة بعملة عظمى قوية محمية، أو بعدة عملات متعاضدة، في سلة واحدة إذا نام بعضها، استيقظت الأخريات للتعويض، فلا تجبر على الانحدار ولا الانكسار، ولا فقد القيمة، فانظروا كيف تحلمون.

alnahariShaher@