سالم الكتبي

ملالي إيران والانتخابات الأمريكية

الاثنين - 05 أكتوبر 2020

Mon - 05 Oct 2020

لا يكف ملالي إيران طيلة الأيام الأخيرة عن ترديد مقولات تعبر عن رفضهم استخدام بلادهم كورقة انتخابية في السباق الرئاسي الأمريكي المرتقب، ولكنهم في الوقت نفسه يكثفون تصريحاتهم التي تزعم فشل استراتيجية العقوبات التي تنتهجها إدارة الرئيس ترمب، ويزعمون أن هذه الاستراتيجية قد تسببت في عزلة دولية غير مسبوقة للولايات المتحدة، ولا سيما في مجلس الأمن الدولي.

المنطق يقول إن من يرغب في الابتعاد عن أجواء الانتخابات الرئاسية الأمريكية عليه أن يتفادى الزج بنفسه في أتون هذا الصراع السياسي الشرس، ولكن ملالي إيران يفعلون العكس تماما، ما يعني أن المسألة بالنسبة لهم لا تكمن في وجود الملف الإيراني ضمن مربع التجاذبات بين المرشحين الجمهوري، الرئيس الحالي دونالد ترمب، والديمقراطي جو بايدن، بل تكمن في رغبتهم في التأثير سلبا في فرص فوز الرئيس ترمب بولاية رئاسية ثانية، والسعي بكل قوة لتشويه سياساته الخارجية، مستخدمين في ذلك اللوبي السياسي والإعلامي الإيراني في دوائر صنع القرار الأمريكي.

الحقيقة أن الملالي يشعرون بأن فرصتهم الوحيدة في البقاء على كراسي السلطة ومواصلة مشروعهم التوسعي الإقليمي تتمثل في خسارة ترمب للانتخابات المقبلة وفوز المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي تعهد بالعودة إلى مسار الاتفاق النووي فور توليه منصبه.

فوز ترمب بولاية رئاسية ثانية هو سيناريو كارثي بكل معنى الكلمة بالنسبة لملالي إيران، لأن ذلك يعني ببساطة استكمال حلقات استراتيجية الحصار الصارم، الذي يخنق الاقتصاد الإيراني، والأهم مما سبق أن إدارة الرئيس ترمب قد نجحت في الفترة الأخيرة في إعادة هندسة المشهد الاستراتيجي الشرق أوسطي بوساطة ناجحة توجت بإعلان إقامة علاقات رسمية بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من ناحية وإسرائيل من ناحية ثانية، وهي خطوة تربك بالتأكيد حسابات إيران الإقليمية، لأن إحلال السلام والأمن والاستقرار بين إسرائيل والدول العربية ينسف كل مزاعم إيران ويجعلها في حالة حصار إقليمي غير مسبوقة، ويجعل تأثير الحصار الأمريكي عليها مضاعفا.

وبغض النظر عن «رعب» الملالي من قيام تعاون عسكري بين دول الخليج وإسرائيل، فإن مجرد وجود هذه الاحتمالية يضع الملالي في حالة خوف وقلق دائمين، وينسف كل «استثماراتهم» غير المشروعة في غرس أذرع إقليمية طائفية لتهديد إسرائيل في لبنان وسوريا عبر ميليشيات «حزب الله» اللبناني والميليشيات الطائفية الأخرى التي جلبتها إيران للأراضي السورية.

الحقيقة أيضا أن ممارسة الحق السيادي للإمارات والبحرين في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل تندرج ضمن الذكاء في توظيف أوراق الضغط، وبناء معادل موضوعي يحد من خطر التهديدات القائمة والمحتملة، فهو تحرك رائع في إطار هامش المناورة السياسي المتاح أمام دبلوماسية البلدين، ورغم التأكيد الرسمي للدولتين عدم استهداف هذه الخطوة أي طرف إقليمي آخر، فإن مجرد الإعلان عنها ينتج طاقة ضغط استراتيجي غير محتملة على ملالي إيران، لأنهم ظلوا يراهنون لفترات طويلة على نمطية الدبلوماسية العربية والقوالب الجامدة التي تتحرك فيها من دون أن تخطر على أذهانهم مطلقا احتمالية اختراق حاجز الصمت، والتفكير خارج الصندوق وبلورة مقاربات جديدة للمعضلات القديمة.

المشهد الإقليمي الحاصل هو عبارة عن مباراة في الاستراتيجية بين لاعبين مُجدّدين ـ إن صح التعبير ـ غير تقليديين ولاعبين نمطيين، ما يجعل الكرة تتمركز بشكل أكبر في الملعب الإيراني، حيث الملالي الذين يواصلون الرهان على أفكارهم العبثية العقيمة التي تتمركز حول ما يعرف بـ»محور المقاومة» وغير ذلك من خطط نمطية تتكئ على حلول وخيارات عنفية تعتمد العمل العسكري وترفض تماما أي خيارات سياسية حتى لو كانت تستند على العقل والمنطق ومعطيات الواقع.

الملالي لا يبحثون عن حلول للقضايا والأزمات في واقع الأمر، بل يقتاتون على استمرارية هذه الأزمة والقضايا، وينطلقون من ذلك للترويج لمشروعيتهم المزعومة في الداخل وبين أنصارهم والمخدوعين بأحلامهم في الخارج.

salemalketbiar@