معلق في السماء!
السبت - 09 يوليو 2016
Sat - 09 Jul 2016
في الاعتبار لابن أبي الدنيا (1/56) أنه قدم على الوليد بن عبدالملك ذات يوم قوم من بني عبس، فيهم رجل ضرير، فسأله عن عينيه، فقال له: بت ليلة في بطن واد ولا أعلم في الأرض عبسيا يزيد ماله على مالي، فطرقنا سيل فذهب ما كان لي من أهل وولد ومال، غير صبي مولود وبعير، وكان البعير صعبا فند، فوضعت الصبي واتبعت البعير فلم أجاوزه حتى سمعت صيحة الصبي، فرجعت إليه ورأس الذئب في بطنه يأكله، واستدبرت البعير لأحبسه فنفحني برجله فأصاب وجهي فحطمه، وذهبت عيناي، فأصبحت ضريرا لا أهل ولا مال ولا ولد، فقال الوليد: انطلقوا به إلى عروة بن الزبير فيخبره خبره؛ ليعلم أن في الناس من هو أعظم منه بلاء.
مصطلحات الأوصاف التي يسقطها المرء على حاله لها سمات ماكرة، فعندما يصف شاب - لم يجتز إحدى المواد في جامعته - نفسه بأنه إنسان (تعيس)، فإن نغمتها في الأسماع ستبدو بذات المنزلة حين يرددها شيخ منهك مات أبناؤه فصار مسؤولا عن عائلة عريضة في بلد فقير بائس لا مصدر لدخلهم إلا عمل يده وقد هزل الجسد واعتلته الأمراض والهموم.
وحين تشكو إحدى الفتيات من (بؤسها) لأنها لم تسافر للخارج هذه السنة كبقية قريباتها، ثم تفصل لك دقائق معاناتها وهي تبصر مغتاظة ما ينشر من رحلاتهن في وسائل التواصل، فإن مصطلح البؤس لن تتصدع تركيبته اللغوية إذا سمعته من فتاة في عمرها قدر الله عليها العيش في بلاد تعصف بها الفتن فرأت منزلها ينهار على أهلها ليأخذ أرواحهم بعيدا عنها ويبقيها خاوية مفجوعة أبد الدهر.
وبسبب هذا الخداع اللغوي، ينساق البعض مع الأوصاف التي يسقطها على معيشته، فيعظمها في نفسه، ثم ينقاد لآثار تضخيمه لها حتى تجني على نظرته لحياته ومستقبله، فتهول من شأن كل مفقود بينما تهون من مقدار الموجود، فتوجد في نفسه ثقبا أسود يمتص كل رغبة وجمال.
ما أجمل ما قاله أحد الكوميديين وهو يسخر أثناء وصفه لفئات من المسافرين النائحين عبر المطارات وهم يشكون لك بعد عودتهم من كل شيء، الطعام، الانتظار، وأسعار الصودا في المطار، وصراخ أحد الأطفال في أقصى الطائرة.. كل شيء، وأعجب منه هو تفاعل المنصتين معهم وتعزيزهم لبكائياتهم، وقد تناسوا جميعا بالعادة وطبيعة البشر أنهم قد مروا في رحلتهم هذه بإحدى أعظم التجارب البشرية عبر التاريخ؛ الجلوس على كرسيك محلقا في السماء، والذي لو أتيح مكانك هذا لملايين البشر قبلك من ملوك وعلماء وفلاسفة وقادة.. لاعتركوا أمامك للتنعم بلحظات يسيرة ليجلسوا عليه ويطلوا على آفاق السماء والأرض.
فما أليق بنا ونحن بين زحام النعم في بلادنا أن نخرج من زوايا البؤس التي انزوينا فيها ونلتفت حولنا ثم نقشع عتمة العادة عن النعم الملتصقة بكل ثانية في حياتنا، وأن نتخير من الأوصاف ما يليق بواقع الحال، وما أجدى أن نذكر جيدا - يوم نصادف العقبات - أن المعاني لها درجات أو دركات وإن اتحد اللفظ وتشابهت التراكيب، فإن لم ننتبه لفوارق الدلائل التقمتنا مصطلحات التعاسة وأودى بنا الوهم.
مصطلحات الأوصاف التي يسقطها المرء على حاله لها سمات ماكرة، فعندما يصف شاب - لم يجتز إحدى المواد في جامعته - نفسه بأنه إنسان (تعيس)، فإن نغمتها في الأسماع ستبدو بذات المنزلة حين يرددها شيخ منهك مات أبناؤه فصار مسؤولا عن عائلة عريضة في بلد فقير بائس لا مصدر لدخلهم إلا عمل يده وقد هزل الجسد واعتلته الأمراض والهموم.
وحين تشكو إحدى الفتيات من (بؤسها) لأنها لم تسافر للخارج هذه السنة كبقية قريباتها، ثم تفصل لك دقائق معاناتها وهي تبصر مغتاظة ما ينشر من رحلاتهن في وسائل التواصل، فإن مصطلح البؤس لن تتصدع تركيبته اللغوية إذا سمعته من فتاة في عمرها قدر الله عليها العيش في بلاد تعصف بها الفتن فرأت منزلها ينهار على أهلها ليأخذ أرواحهم بعيدا عنها ويبقيها خاوية مفجوعة أبد الدهر.
وبسبب هذا الخداع اللغوي، ينساق البعض مع الأوصاف التي يسقطها على معيشته، فيعظمها في نفسه، ثم ينقاد لآثار تضخيمه لها حتى تجني على نظرته لحياته ومستقبله، فتهول من شأن كل مفقود بينما تهون من مقدار الموجود، فتوجد في نفسه ثقبا أسود يمتص كل رغبة وجمال.
ما أجمل ما قاله أحد الكوميديين وهو يسخر أثناء وصفه لفئات من المسافرين النائحين عبر المطارات وهم يشكون لك بعد عودتهم من كل شيء، الطعام، الانتظار، وأسعار الصودا في المطار، وصراخ أحد الأطفال في أقصى الطائرة.. كل شيء، وأعجب منه هو تفاعل المنصتين معهم وتعزيزهم لبكائياتهم، وقد تناسوا جميعا بالعادة وطبيعة البشر أنهم قد مروا في رحلتهم هذه بإحدى أعظم التجارب البشرية عبر التاريخ؛ الجلوس على كرسيك محلقا في السماء، والذي لو أتيح مكانك هذا لملايين البشر قبلك من ملوك وعلماء وفلاسفة وقادة.. لاعتركوا أمامك للتنعم بلحظات يسيرة ليجلسوا عليه ويطلوا على آفاق السماء والأرض.
فما أليق بنا ونحن بين زحام النعم في بلادنا أن نخرج من زوايا البؤس التي انزوينا فيها ونلتفت حولنا ثم نقشع عتمة العادة عن النعم الملتصقة بكل ثانية في حياتنا، وأن نتخير من الأوصاف ما يليق بواقع الحال، وما أجدى أن نذكر جيدا - يوم نصادف العقبات - أن المعاني لها درجات أو دركات وإن اتحد اللفظ وتشابهت التراكيب، فإن لم ننتبه لفوارق الدلائل التقمتنا مصطلحات التعاسة وأودى بنا الوهم.