زيد الفضيل

وغاب صباح الكويت

السبت - 03 أكتوبر 2020

Sat - 03 Oct 2020

الموت حق، وهو قضاء الله على العباد، وما أصعب الغياب، ولا سيما مع أولئك الكبار الذين تركوا بصمتهم الإيجابية في هذه الحياة، لكنه القدر الذي لا مناص منه، وهي الحياة التي يجب علينا أن نقبلها بحلوها ومرها، بخيرها وشرها.

كان ذلك تبادر إلى ذهني وأنا أقرأ تغريدة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز يحفظه الله، التي نعى فيها أخاه وصاحبه الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله، الذي وافاه الأجل قبل أيام قلائل، بقوله «فقدت برحيل الشيخ صباح الأحمد الصباح رحمه الله أخا عزيزا وصديقا كريما وقامة كبيرة، له في نفسي مكانة عظيمة وتقدير يستحقه. نفتقده كما يفتقده شعبه، وسيخلده التاريخ إذ كرس حياته لخدمة بلاده وأمتيه العربية والإسلامية.

تعازينا لأهلنا في الكويت. إنا لله وإنا إليه راجعون».

ما أصدق القول في وداع صديق لصديقه، وما أشد وجع الفراق والفقد من أخ لأخيه، فعزاؤنا لك يا خادم الحرمين الشريفين، ومثلك يُعزى في صاحبه وأخيه، وما أحسن الأخوة التي تجمعنا بأهلنا في الكويت جملة، وتلك خصيصة يغبطنا عليها كل من في قلبه مرض، فعظم الله أجرنا جميعا في أمير الحكمة، وشيخ العقل والرأي السديد، وملك الابتسامة الصادقة صباح الأحمد الصباح رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

أشير في هذا السياق إلى مدى عمق العلاقة الأخوية بين الكويت والمملكة العربية السعودية، التي لا تقتصر ملامحها على الجانبين السياسي أو الاقتصادي وحتى الجغرافي، بل تمتد بجذورها إلى جوانب أعمق في التكوين والارتباط التاريخي، فأسرة آل الصباح الكريمة وغيرها من أسر الكويت وعوائلها وقبائلها تنتمي بأصولها إلى مناطق متنوعة في وسط الجزيرة العربية وشرقها وغربها وصولا إلى جنوبها، التي تتشرف اليوم بتوحدها ضمن أرجاء المملكة العربية السعودية، وبالتالي فالرابط بين الدولتين لم يكن سياسيا واقتصاديا وحسب، وإنما هو ممتد بأفانينه ضمن أحياء وأرجاء الكويت الكريمة، ولعمري فتلك خصيصة يفتخر بها العرب بين بعضهم البعض، ويتميزون بقيمتها عن مختلف القوميات العرقية في العالم.

وواقع الحال، لا يمنع ما سبق وجود بعض التباين والاختلاف بين الشعبين الكريمين، فتلك سمة الحياة، وسنة الكون حتى على نطاق أصابع اليد الواحدة كما يقال، وبين الإخوة الأشقاء كذلك، لكن التباين والاختلاف النسبي يتوقف حين يدلهم خطر بأحدهم، فتتلاشى تلك الفوارق، ويتوحد الجسد بأعضائه كلحمة واحدة، وليس حديثنا هنا من باب التنظير، وإنما هو واقع يسرده الأجداد للأحفاد، ووثيقة يسلمها الآباء للأبناء.

وفي هذا يذكر التاريخ أن الكويت كانت الحضن الدافئ الذي عاش فيه الإمام عبدالرحمن الفيصل آل سعود بمعية بعض أسرته، وفيهم ابنه البكر الرشيد عبدالعزيز، الذي وجد في الكويت أميرا وقائدا، الناصر والمناصر، حين عزم على استعادة محبوبته مدينة الرياض حيث حكمه وحكم آبائه، وموطنه الذي أحب، وكان له ذلك في عام 1902م/1319هـ لينطلق منها لتوحيد أرجاء جزيرته التي عشقها وأدرك قيمتها، مؤسسا بذلك هذه الدولة الأبية التي ننعم بالانتماء إليها، وكان احتفاؤنا بذكرى يومها الوطني التسعين قبل أيام قلائل.

وفي المقابل لن ينسى التاريخ ذلك الموقف السياسي الكبير الذي عكس كل سمات الوفاء والمروءة، وانطلق من إيمان عميق بقيم الحق والعدل، الذي مثله في حينه خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، حين وقف موقفا صارما من غزو الرئيس صدام حسين الظالم للكويت، فاستقبل أسرة آل الصباح وشعب الكويت، وأمر كل أركان دولته وقادتها بتسهيل احتياجاتهم وهم مَن حلوا بيننا أهلا وإخوة نحبهم ويحبوننا، وحتما فقد كان الملك سلمان يحفظه الله على رأس أولئك، واستمر كل ذلك العطاء حتى تحررت الكويت وعاد أميرها الشيخ جابر يرحمه الله وولي عهده الشيخ سعد وكل أفراد الحكومة الكويتية وأعضاء مجلس الأمة ومجاميع كبيرة من أبناء الشعب الكويتي الكريم إلى بلادهم آمنين مطمئنين بعدل الله وقوته، وبوفاء ومروءة إخوة لهم في المملكة العربية السعودية بقيادة ملوكها الكرام.

إنه الوفاء، وهي المروءة التي عرفناها تجربة وليس حكاية تروى فحسب، وكانت ولا تزال أحد أبرز القواسم الأصيلة الرابطة بين أبناء أمتنا العربية الأبية، ومجتمعنا الخليجي الوفي، فطوبى لنا ذلك، وحفظ الله وطننا وقادتنا الكرام.

zash113@