سالم الكتبي

تحالفات ورؤى جديدة لمستقبل العالم

الاثنين - 28 سبتمبر 2020

Mon - 28 Sep 2020

استفاض المحللون والخبراء والمتخصصون طيلة الأشهر الماضية في التنبؤ بأوضاع العالم بعد تجاوز أزمة تفشي وباء «كورونا» (كوفيد _19)، حيث تباينت الآراء واختلفت التحليلات حول هياكل وأنماط القيادة في النظام العالمي الذي سيتشكل بعد الأزمة.

الواقع أننا بعيدون - حتى الآن - عن القول بأن العالم قد طوى صفحة أزمة «كورونا»، وبالتالي فإن تداعياتها على العلاقات الدولية لم تزل قيد التشكل، ولكن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة كانت مناسبة لإظهار بعض التصورات التي عكستها كلمات وخُطب القادة والرؤساء، فالصين لم تزل تتمسك بحرصها وحذرها في الحديث عن مسألة القيادة العالمية، ولكنها تتمسك كذلك بطرح رؤيتها الاستراتيجية خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا وموضوعات اقتصادية، حيث أكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، في كلمته، أن على العالم أن يقول «لا للأحادية والحمائية»، مضيفا أن منظمة التجارة العالمية يجب أن تبقى حجر الأساس للتجارة العالمية، وهي مسألة تعكس وجهة نظر بكين في ضرورة الإبقاء على العولمة في شقها الاقتصادي على الأقل، كما بدت الصين مدافعة قوية عن موقفها في مواجهة اتهامات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لها بنشر الفيروس.

وذهب مندوب الصين لدى الأمم المتحدة السفير تشانغ جون لاتهام الولايات المتحدة بنشر «فيروس سياسي» في الجمعية العامة للأمم المتحدة، معتبرا أن هناك «جلبة أمريكية لا تنسجم مع أجواء الجمعية العامة»، وأن الرئيس ترمب «يستغل منصة الأمم المتحدة للتسبب بالمواجهة وإضعاف المنظمة الأممية»، معلنا أن الصين سعت إلى تقديم المساعدة للولايات المتحدة «محاولين مساعدتها في إنقاذ الأرواح ومساعدة هؤلاء الذين يعانون وضعا ميؤوسا منه»، ولكن «الفشل التام» حال دون إنقاذ الأرواح في بلد نظامها الصحي هو الأكثر تقدما مع تكنولوجيا هي الأكثر كفاءة»!

اللافت أن المندوب الصيني اختتم تصريحه بنصيحة للنخب السياسية الأمريكية قائلا «كي يكون المرء كبيرا عليه أن يتصرف كقائد».

لم يكن هذا السجال الوحيد الذي يعكس تداعيات ما بعد «كورونا»، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد ناطح الحليف الأمريكي دبلوماسيا بشكل يحمل علامات تحد حين قال أمام الأمم المتحدة إن فرنسا وألمانيا وبريطانيا لن «تتنازل» عن رفضها دعم إعادة العمل بالعقوبات الأممية على إيران بعدما بادرت الولايات المتحدة إلى ذلك. كما أعلن الرئيس الفرنسي أمام الأمم المتحدة أن «العالم في وضعه الراهن لا يمكن اختزاله بالخصومة بين الصين والولايات المتحدة»، داعيا المجتمع الدولي إلى «بناء تحالفات جديدة». وقال ماكرون «لسنا محكومين جماعيا بأن نكون في شكل ما مجرد شهود على عجز جماعي»، ودعا ماكرون أوروبا خاصة إلى «تحمل مسؤوليتها كاملة» و»عدم السقوط».

ربما تبدو الكلمات والرؤى متكررة بعض الشيء، على الأقل بالنسبة للمتخصصين والباحثين، وربما تحمل تلك الكلمات أحلاما وطموحات لتيار سياسي عالمي يحلم بالتعددية القطبية أو بعالم خال من هيمنة القطب الواحد أو صراعات الثنائية القطبية، ولكن تحليل ما بين السطور يشير إلى قمة جبل جليد لا تزال قيد التشكل في عالم ما بعد «كورونا»، خاصة على صعيد العلاقات الأمريكية - الأوروبية، التي تعاني شروخا عميقة بسبب تباين الرؤى والمصالح الاستراتيجية، بحيث يصعب القول إن مظلة حلف الأطلسي قادرة على الصمود وجمع الشركاء في ظل أهداف واحدة أو حتى قريبة من التوافق، بل بات من الصعب الحديث عن تحديات وقواسم مشتركة بين أعضاء الحلف ليس بالنظر للخلافات الكبيرة بين بعض أعضائه إلى حد بلغ احتمالات المواجهة العسكرية (تركيا وكل من فرنسا واليونان) فحسب، ولكن أيضا في ظل الانسلاخ الأمريكي التدريجي من الالتزامات والمسؤوليات المترتبة على عضوية الحلف.

التحالفات الجديدة التي يقصدها الرئيس ماكرون ليست بالتأكيد تحالفات عسكرية، بل هي تحالفات مصالح تنبع من مصالح الشعوب الأوروبية التي استقبلت المساعدات الصينية خلال ذروة أزمة «كورونا»، في حين غاب الحليف الأمريكي تماما عن مشهد الدعم والمساعدة، ليس بسبب حجم وآثار تفشي الجائحة في الداخل الأمريكي فحسب، ولكن أيضا بسبب الرؤية الأحادية التي تطغى على الدبلوماسية الأمريكية في الوقت الراهن.

الحقيقة أن كل هذه الرؤى والتصورات الاستراتيجية لا تزال تتفاعل وتتشكل وفقا للظروف والمتغيرات، وهي أيضا مرهونة بما ستسفر عنه نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر المقبل، بمعنى أن فوز الرئيس دونالد ترمب بولاية رئاسية ثانية سيغذي هذه الرؤى والتصورات بحكم استمرار نهج السياسة الخارجية الأمريكية، بينما قد يؤدي فوز الديمقراطيين إلى مراجعات لكل هذه الطروحات التي يتبناها حلفاء الولايات المتحدة ومنافسوها على حد سواء، بناء على أي تغييرات ستطرأ حتما على نهج الدبلوماسية الأمريكية حال وصول المرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض.

salemalketbiar@