زيد الفضيل

الوقف قوة دافعة للنهضة

السبت - 26 سبتمبر 2020

Sat - 26 Sep 2020

عرَّف الفقهاء الوقف أو الحبس، وهما لفظان مترادفان، بأنه «حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالمنفعة»، ويعد نظام الوقف إحدى أهم الوسائل التي تفنن الفقهاء المسلمون في تشريع قوانينها، وتوسيع دائرته ليصبح مرتكزا أساسيا للتنمية خلال العصور السالفة.

وفي هذا فقد شارك الوقف في دعم كثير من الأنشطة التعليمية، والمنشآت الصحية، وتطوير المقدرات الاقتصادية، عوضا عن دوره في المحافظة على مستوى التوازن المجتمعي بتعزيز روح التكافل بين أفراده، كما اهتم برعاية عدد من الأغراض العامة ذات الشق الإنساني الصرف، كالأوقاف المخصصة لتجهيز الأعراس، ورعاية النساء الغاضبات، والاهتمام برعاية المساجين، بل بلغ حدا غريبا في عمله ليصل إلى التكفل بتمويل عدد من المهرجين لإيناس المرضى، والترفيه عن الغرباء، وتكفل بتقديم المساعدة نفسيا عبر ما يعرف بوقف خداع المريض، وذلك بتوفير الرجال الصالحين الذين يمرون بجوار المريض متحدثين بطريقة غير مباشرة عن عوامل التحسن الواضحة في صحته بحسب ما نمى إلى علمهم، كما اهتم الوقف أيضا بمسائل الرفق بالحيوان، كوقف رعاية الكلاب والحيوانات الضالة.

تَمَثل كل ذلك في محيط عالمنا الإسلامي خلال فترات ماضية، ومنها انتقل إلى العالم الغربي، حيث اصطلح على تسميته باسم Endowment ويعني الوقف أو الهبة أو المنحة، أو اسم Trust ويعني الثقة والأمانة، وأطلقوا على الجهة العاملة به ومن خلاله اسم Foundation أي مؤسسة خيرية.

وقد بدأت جذور العمل الوقفي في إنجلترا عام 1601م، ليتبلور بشكل جلي عام 1880م، كما ظهر العمل الوقفي في الولايات المتحدة الأمريكية مع مؤسسة بنجامين فرانكلين الخيرية عام 1791م، ثم مؤسسة جيمس سميث عام 1846م، ومؤسسات كارينجي عام 1896م، ومؤسسة ركفلر عام 1902م، ومؤسسة فورد عام 1936م، ومؤسسة فولبرايت عام 1946م، وصولا إلى مؤسسة بيل غيتس عام 2000م التي بلغ وقفها قرابة 29 مليار دولار، وغيرها من المؤسسات المشهورة.

أشير إلى أن عديدا من الجامعات المرموقة في العالم الغربي قد تم تأسيسها وفق نظام الوقف، ومن ذلك جامعة هارفرد، وجامعة ييل، وغيرهما. كما تم تأسيس عديد من الشركات والمؤسسات التجارية العالمية بنظام الوقف، ومن ذلك مؤسسة «رولكس» الشهيرة بصناعة الساعات، حيث أنشأ هانز ويل سدروف مؤسسة خيرية بعد وفاة زوجته، قاسما ريعها إلى قسمين: أحدهما يعود لاستثماره في الشركة لضمان ديمومتها، والآخر يصرف على الأعمال الخيرية، ودعم مراكز الأبحاث المتعلقة بتطوير صناعة الساعات، ودعم أقسام الإدارة بالجامعات، ومجالات الأدب والفنون.

هكذا يكون الوقف قوة دافعة لأي نهضة، ولا سيما مع نمو المجتمع وتشعب حاجاته، والذي لن تغنيه مظاهر الإحسان الفردي، كما لن يُغطي عجزه مساهمات التبرع الخيري، ولهذا أصبح واجبا العمل على تأسيس مؤسسات نفع عام بنظام الوقف، وفي هذا الصدد تبرز مؤسسات الغرف التجارية التي يمكنها تأسيس إدارة متخصصة في تأسيس المشاريع الوقفية وتنميتها اقتصاديا، وتوجيه رجال المال والأعمال المحليين والدوليين للمساهمة في تنمية مختلف المشاريع الوقفية، واعتبار ذلك خصيصة من خصائص توجهاتها الاستراتيجية لتنمية مستدامة.

وفي تصوري فإن أولى مهام هذه الإدارة الوقفية المتخصصة سيكون مرتكزا حول تقديم دراسات وقفية شاملة ودقيقة لمختلف المشاريع التنموية التي يحتاجها الفرد والمجتمع بالمحافظة والمنطقة، والعمل على إيجاد التمويل الكافي لتنفيذ مختلف تلك المشاريع المقترحة والعناية بها على أكمل وجه، علاوة على دعوة الشركات إلى تبني ما تقدمه وتنتجه من مشاريع تنموية وقفية مقترحة وفق دراسات جدوى معتمدة. فهل يتحقق ذلك في المنظور القريب؟

zash113@