سالم الكتبي

قطر والمزايدون والمتربحون من «القضية»

الأربعاء - 23 سبتمبر 2020

Wed - 23 Sep 2020

ذكرتني تصريحات أدلت بها أخيرا لولوة الخاطر مساعدة وزير الخارجية القطري، وقالت فيها إن بلادها لن تنضم للإمارات والبحرين في إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل «إلا إذا تم حل الصراع مع الفلسطينيين»، بمستوى الكذب الذي يمكن أن تذهب إليه الدعاية القطرية وبموقف كثير من المزايدين والمتربحين على حساب القضية والشعب الفلسطيني.

والأغرب مما سبق أن السيدة لولوة تمادت في التمثيل والمزايدة وأضافت «لا نعتقد أن التطبيع كان جوهر هذا الصراع، وبالتالي لا يمكن أن يكون هو الحل ... جوهر هذا الصراع يدور حول الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون ... هناك أفراد يعيشون بلا دولة، يعيشون تحت الاحتلال».

هذا الكلام يبدو من المضحكات المبكيات وسط هذا الكم الهائل من المزايدات الإعلامية والسياسية التي تحيط بالموقفين الإماراتي والبحريني بشأن إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فرغم أن السيدة التي برزت منذ أعوام قلائل على مسرح السياسة القطرية تحاول جاهدة إثبات صحة موقف بلادها، فإن حداثة خبرتها - وربما سنها وعلمها - لا تسعفها في هذه الجزئية تحديدا لأنها خاضت في مسألة يعرفها القاصي والداني في منطقتنا العربية، فبلادك تمتلك علاقات رسمية - رغم أنها ليست علاقات دبلوماسية - مع إسرائيل منذ افتتاح المكتب التجاري عام 1996، وقناتك التي ترفع لواء القومية والعروبة «الجزيرة» كانت - ولا تزال - نافذة التطبيع والظهور الإعلامي الإسرائيلي على شعوبنا العربية منذ سنوات طويلة، حتى أن الآلة الإعلامية القطرية جعلت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي درعي نجما بين مشاهير برامجها ومشاهديها، ولن أخوض هنا كثيرا في تفاصيل العلاقات القطرية الإسرائيلية بما فيها تلك التي يقوم بها بعض المسؤولين والقادة القطريين حتى الآن إلى شواطئ حيفا، فالمعلومات موثقة ومنشورة عبر مواقع الانترنت ولا داعي لاجترارها لأنه كما يقول العرب «المعروف لا يعرف».

من المهم في هذه الجزئية أن أشير فقط على المتحدثة القطرية بقراءة كتاب «قطر وإسرائيل - ملف العلاقات السرية» الذي أصدره سامي ريفيل، الذي شغل منصب الوزير المفوض بسفارة إسرائيل بباريس، والذي عمل في السابق مديرا لمكتب مدير عام وزارة خارجية إسرائيل ومديرا لمكتب المصالح بين البلدين في الدوحة خلال الفترة من عام 1996 إلى عام 1999، والذي يحكي فيه تفاصيل «الخدمات» التي كان يحصل عليها من الحكومة القطرية لتسهيل مهامه، وكذلك الدور الذي لعبته إسرائيل في هندسة دور قطر الإقليمي خلال تلك الفترة.

الأهم - برأيي - من تذكير السيدة لولوة بتفصيل علاقات بلادها الرسمية مع إسرائيل منذ عام 1996 (بغض النظر عن مسرحية إغلاق المكتب التجاري الإسرائيلي بالدوحة) هو أنها استغرقت في تمثيل دورها في «استنكار» القرار السيادي الإماراتي والبحريني وتناست تماما أن الأمر يتعلق بإسرائيل التي لا يمكن لقطر أن تنكر علاقاتها معها أو تزايد على الآخرين في هذا المجال، وكأن المتحدثة تذكرت فجأة أن هناك لاجئين فلسطينيين يعيشون بلا دولة وتحت الاحتلال وكأن هذا الوضع لم يكن قائما حين مرت علاقات بلادها مع إسرائيل بكل المحطات المتوالية التي يعرفها الجميع جيدا منذ أوائل تسعينات القرن الماضي!

مثل هذه المزايدات الغبية هي تكرار لمواقف محور المزايدة الإيراني التركي ومن يرتبطون به من زعماء ميليشيات وتنظيمات فلسطينيين بعضهم عاش وسط المسؤولين الإسرائيليين أكثر مما عاش وسط أبنائه وعائلته، وهي مزايدات قائمة على المتاجرة بالقضية وابتزاز عواطف من يعتقدون أنهم بسطاء من الشعب الفلسطيني الشقيق، ولكنهم لا يعرفون أن هؤلاء البسطاء باتوا على دراية بكل تفاصيل القضية وأبعادها ويعرفون جيدا حقيقة من يدافع عنهم ويساندهم ويدعمهم ومن يتاجر بآلامهم ويقتات على معاناتهم ويقاتل، لا من أجل حقوقهم، ولكن من أجل استمرار وضعهم الحالي من دون حل!

تركيا - على سبيل المثال - هي الأخرى نموذج للمزايدة، رغم ما يربطها مع إسرائيل من علاقات تحالف استراتيجي منذ تسعينات القرن الماضي ولم يطرأ عليها تغير سوى أنها انتقلت من العلن إلى السر لتتماشى مع اللعبة المزدوجة لنظام «السلطان»، صحيح أن هذا التحالف ليس مفعلا ولكن السلطان إردوغان لم يخرج علينا يوما ما ليعلن فك ارتباط بلاده بإسرائيل نهائيا، فحجم التجارة البينية بين إسرائيل وتركيا التي كانت لا تزيد على 18 مليون دولار عام 1987 قد ارتفع إلى 6.6 مليارات دولار في عام 2019 بخلاف الصفقات العسكرية، وبخلاف لقاءات رئيس المخابرات التركية هاكار فيدان مع يوسي كوهين رئيس جهاز «الموساد» الإسرائيلي بشكل مستمر!

الأمثلة كثيرة على المزايدات والمزايدين، ولكني أردت التنويه فحسب إلى الموقف القطري الذي تمادى في المزايدة ولم تفلح تكتيكات التمثيل العادية في إضفاء أي قدر من الصدقية والخداع عليه حتى تحولت تلك التصريحات إلى «نكتة سخيفة»!