علي المطوع

فيروز ولبنان ... الثابت والمتغير

الاحد - 13 سبتمبر 2020

Sun - 13 Sep 2020

حل ماكرون ضيفا على الثقافة اللبنانية (فيروز)، ومن بوابتها غازلت فرنسا لبنان المكان والإنسان، مستلهمة تاريخا طويلا من الاستغلال والاستعمار، زيارة تجلت فيها عظمة الثابت في تاريخ لبنان، تمثل ذلك في فيروز وإرثها الفني الجميل، وتصاغر المكان المنقسم حول مفاهيمه العنصرية وانقساماته الداخلية ومحاصصاته الطائفية.

حمل ماكرون كفرنسي أولا ورئيس ثانيا، شيئا من احترامات فرنسا وتقاليدها العريقة ككيان ودولة وقلد فيروز وسام جوقة الشرف، تجلت من خلاله في المخيال الفرنسي والعالمي كثابت أصيل في مقابل لبنان البلد الجريح المتغير في كل حين.

ما سبق ليس مفهومي الخاص لكنه شيء مما قد يراه بعض اللبنانيين والعالم تجاه فيروز الثابت ولبنان المتغير، فتوقيت زيارة ماكرون للبنان جاءت بعد تلك الأحداث التي عصفت بهذا البلد الكبير بتناقضاته المأزوم بكل خلافاته واختلافاته.

على الخط ذاته وفي نفس التوقيت حضرت تركيا من خلال وفد رسمي عالي المستوى وأعلنت استعدادها لترميم الميناء ومساعدة لبنان!

ليست صدفة أن ينتقل التنافس التركي الفرنسي من ماء المتوسط إلى البر اللبناني، فتركيا لديها أطماع وطموحات في هذا البلد الجميل، فهي بالوصاية قبل الفرنسيين، وبالتاريخ أيضا، حتى الجغرافيا تعد هي الأقرب والأكثر شبها بلبنان المكان، فلديها جيوب عرقية تعود إلى الدماء التركية الخالصة، وهذه الشرعية تظهر وتسبق كل تدخل تركي في كل قطر عربي، تجلت في سوريا وترسخت في ليبيا وها هي اليوم في لبنان.

الفرنسيون كعادتهم بارعون في تشكيل القوى الناعمة، فباريس كانت وما زالت منطلقا لكل أشكال تلك القوة وذلك المفهوم، من هنا نتفهم البعد السياسي الذي دفع بماكرون التواصل مع أيقونة الغناء العربي فيروز، قبل أن يحظى الأتراك بهذا السبق وهذا الشرف!، وخاصة أن الوثائق التاريخية تعيد نسب وديع حداد والد فيروز إلى ماردين التركية، فالمشهد هنا أمام معلومة تاريخية قد تسوغ مستقبلا حالة الغزل التركية القادمة لسيدة الطرب في لبنان التركية الأصل فيروز وديع حداد.

إن الصراع الدائر حاليا في المتوسط يدور أساسا بين فرنسا وتركيا، حتى وإن ظهرت اليونان في واجهة هذا الصراع فتظل الدولة الأضعف في مواجهة البعبع التركي قياسا بالتاريخ القريب والإمكانات المتباعدة، لكن فرنسا قدمت نفسها لتكون الند لتركيا في هذه البحيرة، وهذا ما يفسر محاولاتها الدؤوبة تحجيم الدور التركي في المنطقة ومنها لبنان، وما هرولة مسؤولي البلدين إلى هناك إلا شاهد على محاولة تغول جديدة قد تعيدهما إلى هذا البلد المنقسم على نفسه ولو كانت هذه العودة من بوابة الثبات والثابت الوحيد في لبنان الغناء وسيدته فيروز.

السؤال المطروح، إذا كانت فرنسا وتركيا تريان في فيروز نفس الرؤية والرمزية وذات الوسيلة لتحقيق تلك الغايات فماذا عن الطوائف الأخرى في لبنان؟، ماذا عن الجنوبيين وفنونهم ورموزهم، ماذا عن تراثهم وكيف يمكن الاستفادة من كل ذلك للوصول إلى قلوب اللبنانيين؟

من ناحية أخرى إيران حاضرة بقوة في المشهد ذاته من خلال أفكارها وثقافتها، وحزب الله هو الغطاء الذي يضمن للإيرانيين هذه الحظوة وهذا الحضور، لكن إذا انساق الإيرانيون خلف الفرنسيين وأساليبهم الناعمة في الدخول إلى قلوب اللبنانيين وحاولوا تقليدهم في اختيار شخصية فنية ينعمون عليها بالأوسمة والنياشين، فمن هي يا ترى الفنانة التي يمكن لها أن تكون فيروز الجديدة البوابة الأوسع التي يمكن من خلالها أن تحضر القوة الناعمة الفارسية في هذا البلد الكسير، تقبل كل الأفكار واحتوى كل الطوائف لكنه فشل في أن يتقبل نفسه ليكون لبنان الأصيل الذي شدت بحبه فيروز، فأحبه كل العرب المغيبين والمغلوبين، عشاق الطرب الرحباني الأصيل، من المحيط إلى الخليج.

@alaseery2