فيصل الشمري

الانتخابات الأمريكية

الاحد - 13 سبتمبر 2020

Sun - 13 Sep 2020

الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي عملية معقدة ذات مراحل متعددة ولا يمكن التنبؤ بنتائجها.

أول حاكم لجمهورية ألمانيا الاتحادية بعد استقلالها، المستشار أوتو فون بسمارك، له مقولة شهيرة «شيئان يجب على الناس تجنب مشاهدتهما قبل الوصول للنتيجة النهائية، وهما مراحل صناعة النقانق وتشريع القوانين».

لحسن الحظ في السعودية لن يكون هناك ما يدعو للقلق فيما يختص بمشاهدة صناعة النقانق، لذا سيكون التركيز على مراحل صناعة القوانين، تشريعها ومدى ارتباطها وتأثرها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجري حاليا.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية ليست متشابهة أو مكررة في جميع مراحلها، ففي بعض الأحيان يتم إعادة انتخاب الرئيس الحالي، مما لا يستوجب من الحزب الحاكم إعادة انتخاب مرشح جديد له لخوض غمار الانتخابات. باختصار، فالحزب الحاكم يختار الرئيس الحالي كمرشح له فيما ينتظر من الحزب الآخر اختيار مرشح له بعد فوزه في الانتخابات الحزبية الوطنية.

أحد الأمثلة ليست بالبعيدة لرئيس أمريكي عرف عنه ضعف مواقفه السياسية بالإضافة لاهتزاز التأييد الشعبي له، وهو الديمقراطي ليندون جونسون وذلك في عام 1968، فقد كان يواجه معارضة سياسية جدية من الشعب الأمريكي حول مواقفه الداعمة لحرب فيتنام، ومن جهة أخرى فقد كانت هناك محاولات قوية من عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي وهما يوجين مكارثي وروبرت كينيدي لإقناع أعضاء الحزب بالعدول عن موقفهم الداعم لجونسون كمرشح لهم.

ولكن مرة أخرى، هذا أحد الأمثلة لحالات قليلة تكاد تكون نادرة جدا. بالنسبة للانتخابات الرئاسية المقبلة فسنشاهد كلا الحزبين يخوض عملية اختيار مرشح له لخوض غمار الانتخابات والقيام بجولات في أنحاء البلاد ليكون ممثلا عن حزبه. في هذا المقال سيتم التركيز على كيفية حصول مرشح ما على تأييد ودعم حزبه، بعد أن يتم ترشيحه رسميا، وكيف في نهاية المطاف يتم إجراء الانتخابات الرئاسية. لذا، من جهة أخرى، نحن محظوظون لعدم حاجتنا لمشاهدة عملية صناعة النقانق كما قال بسمارك.

وبدلا من هذا، باستطاعتنا أن نتمعن في آلية الانتخابات وكيف تتم.

فيما يختص بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فهناك ثلاث مراحل رئيسة لها: الانتخابات الأولية أو التمهيدية التي تعقد في كل ولاية على حدة، مؤتمرات الأحزاب، حيث يتم الإعلان رسميا عن اسم المرشح الفائز وتوليه رئاسة الحزب، وأخيرا الانتخابات العامة أو الرئاسية.

إن ما شاهدناه يسمى «موسم الانتخابات التمهيدية» والذي يحدث في كل من الولايات الـ50 والتي تتكون منها الجمهورية والانتخابات الفردية التي تجرى تكون على أساس قائمة المرشحين على ورقة الاقتراع لكل حزب.

ما يسمى «المرحلة الأولية» وهذا يعني أن الحزب الديمقراطي ليس لديه اسم نهائي للمرشح الذي سيرغب بترشيحه كرئيس في المرحلة الأولى. لذلك فبالنسبة للانتخابات الرئاسية هذا العام فستجري فيها انتخابات تمهيدية للحزب الديمقراطي فقط في كل ولاية وستكون هذه الانتخابات الحزبية على أساس قائمة المرشحين أما الحزب الجمهوري يرشح الرئيس الحالي الجمهوري.

من ناحية أخرى، تختلف القوانين الانتخابية من ولاية لأخرى وعلى امتداد كل الولايات الـ50، بعض الولايات لديها ما يسمى بـ»الانتخابات التمهيدية المفتوحة» والتي تعني أن الناخبين الجمهوريين المسجلين يمكنهم التصويت في مقرات الحزب الديمقراطي للانتخابات التمهيدية والعكس صحيح، فالناخبون الديمقراطيون المسجلون يمكنهم التصويت في مقرات الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري.

بالإضافة لهذا، فبعض الولايات لديها ما يعرف بـ»الانتخابات التمهيدية المغلقة»، حيث يمكن فقط للأعضاء المسجلين في أي من الحزبين التصويت في مقرات الانتخابات التابعة لحزبهم فقط.

عند الانتهاء من الانتخابات التمهيدية في ولاية ما والإعلان عن اسم المرشح الفائز عن كل حزب هنا يأتي دور المندوبين المستقلين لكل حزب ليمنحوا أصواتهم لمرشح الحزب الفائز في الولاية التي ينتمون لها. مثلا إذا فاز فرد ما في الانتخابات التمهيدية لولاية أيوا كمرشح جمهوري يأتي بعد ذلك دور كل من مندوبي الحزب الجمهوري لولاية أيوا بتقديم أصواتهم لهذا المرشح ليكون مرشحهم عندما يتم عقد مؤتمر الحزب في وقت لاحق في الدورة الانتخابية.

من جهة أخرى، هناك فئة تحرك محددة لها أهمية وتأثير كبيران على نتائج التصويت وتدعى «المفوضون السوبر أو المندوبون الكبار» وهم ليسوا بحاجة لإعطاء أصواتهم لمرشح حزبهم في ختام الانتخابات التمهيدية للولاية. بإمكانهم الامتناع عن الإدلاء بأصواتهم حتى موعد انعقاد مؤتمر الحزب، ويحق لهم منح أصواتهم للشخص المناسب بنظرهم حتى لو لم يكن صاحب أعلى نسبة تأييد من الناخبين. يسمح للمندوبين الكبار أن يغيروا رأيهم حتى بعد التصويت في حال كان أعضاء الحزب نفسه غير متأكدين من هوية المرشح المناسب حتى موعد مؤتمر الحزب لاختيار مرشحه.

في كثير من الأحيان وبوقت ليس بالبعيد من وقت انعقاد مؤتمر الحزب يكون أمر اختيار المرشح أمرا مفروغا منه ويكون هو الاسم المقرر رسميا ترشيحه للرئاسة. فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجرى حاليا فإن نائب الرئيس السابق بايدن مرشح الحزب الديمقراطي والرئيس ترمب مرشح الحزب الجمهوري.

على الرغم من انعقاد مؤتمرات الأحزاب الكترونيا بسبب جائحة كورونا يعتبر مجرد أداء شكلي في هذه المرحلة من الانتخابات. مؤتمرات الحزب التي عادة ما تعقد في نهاية فصل الصيف، وتكون بمثابة تتويج لمرشح الحزب المنتخب للرئاسة.

الولايات الخمسون جميعها تكون قد عقدت بالفعل انتخاباتها التمهيدية، ومندوبو الأحزاب قد منحوا أصواتهم لأحد المرشحين، بالإضافة إلى أن المندوبين الكبار وضعوا المرشح المستقل في وضع يسمح له بصفة رسمية أن يكون المرشح الرسمي للحزب لسباق الرئاسة. بعد الانتهاء من تصويت المندوبين، ستعكس الترشيحات نتائج المؤتمرات الحزبية وعندها إعلان الاسم الفائز لأنه سيكون هو المرشح لخوض الانتخابات الرئاسية والتي ستعقد في نهاية العام.

بالإضافة لهذا، تلجأ الولايات المتحدة لقانون يسمى «نظام الكلية الانتخابية أو المجمع الانتخابي»، حيث إن ولايات معينة لديها نظام كلية انتخابي مختلف يتم الأخذ به عند احتساب نتائج التصويت.

بمعنى أن ولاية تكساس، على سبيل المثال، لديها كثافة سكانية أكثر بكثير من ولاية وسكونسن. عدد من الأصوات المطلوبة من أجل الفوز بانتخابات الرئاسة الأمريكية طبقا لنظام الكلية الانتخابية هو 270. ولذلك فمن المهم الفوز في ولايات مثل كاليفورنيا وتكساس وفلوريدا والولايات الأخرى الكبرى وفقا لعدد سكانها.

مصطلح «الولايات ذات النسب المتأرجحة أو المتقاربة» هي تلك الولايات التي لا تتضح فيها هوية الحزب الفائز بشكل حاسم، مما يستلزم من الطرفين بذل مزيد من الوقت، والمال والجهد من خلال تكثيف الحملات الانتخابية لزيادة التأييد الشعبي لها لغرض الحصول على أكثر عدد من الأصوات طبقا لنظام الكلية الانتخابية.

لا تزال الطريق طويلة حتى الانتهاء من هذه الانتخابات والمراحل المقبلة لها متقلبة وغير مستقرة النتائج، والمعارك تزداد حدة بين المرشحين ونتيجة لهذا، فإنه مع المضي قدما في هذه الانتخابات سيكون هناك كثير من العناوين في الصحف والمجلات والتي توضح الصراع بين المرشحين للفوز بها.

بالنسبة لنا في السعودية، فإنه يمكننا التركيز على من هم المرشحون، وما الذي يتطلعون لتحقيقه. هذه العملية السياسية تتصف بالغموض وعدم الاستقرار لمن يتابع هذه الانتخابات عن كثب. ولحسن الحظ بالنسبة لنا، لن يكون علينا أن نقلق حول كيفية صنع النقانق.

mr_alshammeri@