تركيا وتغيير قواعد اللعبة
الاثنين - 07 سبتمبر 2020
Mon - 07 Sep 2020
يقول جوزيب بوريل الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية إن تركيا وقوى دولية أخرى تريد تغيير قواعد اللعبة تجاه أوروبا، ويضيف بوريل في مقال نشرته صحيفة «لوجورنال دو ديمانش» الأسبوعية الفرنسية، أن هذه البلدان تستهدف تغيير ميزان القوى حول العالم، وشدد على أن تركيا تحاول إظهار نفسها كعنصر رئيسي في المنطقة، وأن أنقرة استخدمت أساليب وطرقا مختلفة في شرقي المتوسط.
هذا التشخيص الاستراتيجي المهم يحدد معضلة نظام السلطان إردوغان في سلوكياته الخارجية في الآونة الأخيرة، فهو لا يريد فقط تغيير قواعد اللعبة في العلاقات مع أوروبا، بل يسعى كذلك إلى تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، مستغلا حالة الضعف غير المسبوقة التي يعانيها النظام الإقليمي العربي، وتداعي كثير من قواه الرئيسية وانشغال بعضها الآخر بأزمات وظروف داخلية.
الشواهد تقول إن نظام إردوغان بات يشعر بالغرور في نظرته للآخر، حيث يلاحظ تجاهل أنقرة لمواقف جيرانها ومصالحهم بل تصرفها بغطرسة كما فعلت في الملف الليبي لولا الخطوط الحمر التي واجهتها من جانب القيادة المصرية.
الاتحاد الأوروبي من جانبه يحمل إردوغان مسؤولية «الوضع السيئ» في شرق المتوسط، متهما إياه بالاستمرار في التصعيد رغم نداءات بروكسل لتركيا بالتحرك نحو التهدئة، ولكن الملاحظ أن الاتحاد لم يزل يتعامل بهدوء وتريث بالغ مع التصعيد التركي الطائش ويكتفي بالتلويح بـ»إجراءات قاسية»، ولذا فإن القمة الأوروبية المرتقبة في 24 سبتمبر الجاري يفترض أن تبعث برسالة واضحة تنهي أطماع السلطان التركي وتحول دون استمراره في تسخين الأوضاع حتى لا تندلع حرب إقليمية في هذه المنطقة من العالم، لاسيما أن الخطاب السياسي للسلطان التركي وحاشيته يواصل التصعيد والحشد ويتحدث عن «كفاح» و»تضحيات»، حيث ذكر إردوغان في رسالة نشرها في 30 أغسطس، أنه «ليس من قبيل المصادفة أن الساعين إلى إقصاء بلادنا شرق المتوسط، هم أنفسهم الذين حاولوا الاستيلاء على أراضيها قبل قرن»، وأوضح إردوغان أن «كفاح الاستقلال الذي انطلق بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك عام 1919، تكلل بنصر حتمي ودائم عبر معركة «دوملوبينار»، في 30 أغسطس 1922». وربط إردوغان بين مخططه وأطماعه في غاز شرق المتوسط، وبين كرامة تركيا وهيبتها!
بعض كتاب الرأي الأتراك الموالين للسلطان باتوا يتحدثون عن «تركيا الكبرى، حيث نشر متين كولونك، وهو عضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن المقاطعة نفسها التي يعيش فيها والدا إردوغان، تغريدة على «تويتر» أعلن من خلالها المطالبة بـ»تركيا الكبرى»، التي تشمل ـ بحسب زعمه ـ مناطق واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجة الشرقية، ونصف بلغاريا وقبرص وأرمينيا بكاملها، ومناطق واسعة من جورجيا والعراق وسوريا، ويشير صراحة إلى أن تركيا تهدف إلى غزو سوريا وشرق المتوسط وأفريقيا عسكريا والسيطرة عليها!!
ولاشك أن تحذيرات إردوغان مؤخرا لشعبي فرنسا واليونان وتهديده للشعبين بدفع ثمن غال بسبب «القيادة عديمة الكفاءة»، وتلويحه بالعزم على «دفع ثمن غال في الطريق الذي نسلكه» تؤكد أن العالم في مواجهة مغامر جديد على شاكلة المغامرين الذين تسببوا في إشعال الحروب الكبرى تاريخيا، فالرجل يتحدث عن تاريخ بلاده من دون أدنى وعي به فهو يقول «تركيا إحدى الدول القليلة التي لم تكن أبدا دولة معتدية واستعمارية على مدار تاريخها» مع أن التاريخ مليء باعتداءات تركيا ومظالمها واستعمارها للكثير من دول المنطقة!
واللافت أنه لا يلقي بالا للأمن والاستقرار العالمي، ويحظى بتشجيع من بعض القادة على أمل أن تتسبب مغامراته في القضاء عليه سياسيا، ولكن الثمن الذي سيدفعه العالم والمنطقة لهذه المغامرات قد يفتح باب خراب ودمار لا يطاق ليس فقط على دول المنطقة، بل أيضا على تركيا ذاتها، التي يدفع اقتصادها ثمنا باهظا لمغامرات قيادتها واندفاعها في التدخلات الخارجية غير المشروعة وصراعها مع جيرانها على موارد الطاقة، فالخبراء الأتراك أنفسهم يحذرون من انهيار العملة الوطنية تحت وطأة خطر اندلاع حرب مع اليونان، فيما حذر بعضهم من خطر «دوامة أزمات» لا فكاك منها، بعدما سجل الاقتصاد التركي انكماشا خلال الربع الثاني من العام الجاري 2020، بنسبة 9.9% على أساس سنوي، في ظل تراجع قيمة الليرة أمام الدولار وارتفاع عجز الموازنة، ولكن الواضح أن إردوغان لا يلقي بالا لمثل هذه المؤشرات ويراهن على أوهام قومية توسعية يدغدغ بها آذان أنصاره من الشعب التركي.
والحقيقة أن صمت القوى الدولية على تدخلات إردوغان في ليبيا وسوريا قد لعبت دورا محفزا يعزز أطماعه في غاز شرق المتوسط حتى بات يتحدى اليونان وفرنسا، شريكي تركيا في حلف الأطلسي، ما يعني أن المسألة قد تجاوزت فكرة الصراع عن الطاقة وباتت بمنزلة إعلان فعلي على تفكك الحلف الذي أصبح أعضاؤه على وشك مواجهة بعضهم البعض عسكريا!
وأعتقد أن المخرج من كل هذه الإشكاليات يبدأ بأن يبعث الأوروبيون برسالة حازمة وموقف مشترك وقوي يتصدى لمخطط السلطان التركي، ويلجم هذا الجموح التركي الذي يعتمد على الفوضى السائدة في العلاقات الدولية في الوقت الراهن.
@salemalketbiar
هذا التشخيص الاستراتيجي المهم يحدد معضلة نظام السلطان إردوغان في سلوكياته الخارجية في الآونة الأخيرة، فهو لا يريد فقط تغيير قواعد اللعبة في العلاقات مع أوروبا، بل يسعى كذلك إلى تغيير قواعد اللعبة في الشرق الأوسط، مستغلا حالة الضعف غير المسبوقة التي يعانيها النظام الإقليمي العربي، وتداعي كثير من قواه الرئيسية وانشغال بعضها الآخر بأزمات وظروف داخلية.
الشواهد تقول إن نظام إردوغان بات يشعر بالغرور في نظرته للآخر، حيث يلاحظ تجاهل أنقرة لمواقف جيرانها ومصالحهم بل تصرفها بغطرسة كما فعلت في الملف الليبي لولا الخطوط الحمر التي واجهتها من جانب القيادة المصرية.
الاتحاد الأوروبي من جانبه يحمل إردوغان مسؤولية «الوضع السيئ» في شرق المتوسط، متهما إياه بالاستمرار في التصعيد رغم نداءات بروكسل لتركيا بالتحرك نحو التهدئة، ولكن الملاحظ أن الاتحاد لم يزل يتعامل بهدوء وتريث بالغ مع التصعيد التركي الطائش ويكتفي بالتلويح بـ»إجراءات قاسية»، ولذا فإن القمة الأوروبية المرتقبة في 24 سبتمبر الجاري يفترض أن تبعث برسالة واضحة تنهي أطماع السلطان التركي وتحول دون استمراره في تسخين الأوضاع حتى لا تندلع حرب إقليمية في هذه المنطقة من العالم، لاسيما أن الخطاب السياسي للسلطان التركي وحاشيته يواصل التصعيد والحشد ويتحدث عن «كفاح» و»تضحيات»، حيث ذكر إردوغان في رسالة نشرها في 30 أغسطس، أنه «ليس من قبيل المصادفة أن الساعين إلى إقصاء بلادنا شرق المتوسط، هم أنفسهم الذين حاولوا الاستيلاء على أراضيها قبل قرن»، وأوضح إردوغان أن «كفاح الاستقلال الذي انطلق بقيادة المؤسس مصطفى كمال أتاتورك عام 1919، تكلل بنصر حتمي ودائم عبر معركة «دوملوبينار»، في 30 أغسطس 1922». وربط إردوغان بين مخططه وأطماعه في غاز شرق المتوسط، وبين كرامة تركيا وهيبتها!
بعض كتاب الرأي الأتراك الموالين للسلطان باتوا يتحدثون عن «تركيا الكبرى، حيث نشر متين كولونك، وهو عضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومن المقاطعة نفسها التي يعيش فيها والدا إردوغان، تغريدة على «تويتر» أعلن من خلالها المطالبة بـ»تركيا الكبرى»، التي تشمل ـ بحسب زعمه ـ مناطق واسعة من شمال اليونان وجزر بحر إيجة الشرقية، ونصف بلغاريا وقبرص وأرمينيا بكاملها، ومناطق واسعة من جورجيا والعراق وسوريا، ويشير صراحة إلى أن تركيا تهدف إلى غزو سوريا وشرق المتوسط وأفريقيا عسكريا والسيطرة عليها!!
ولاشك أن تحذيرات إردوغان مؤخرا لشعبي فرنسا واليونان وتهديده للشعبين بدفع ثمن غال بسبب «القيادة عديمة الكفاءة»، وتلويحه بالعزم على «دفع ثمن غال في الطريق الذي نسلكه» تؤكد أن العالم في مواجهة مغامر جديد على شاكلة المغامرين الذين تسببوا في إشعال الحروب الكبرى تاريخيا، فالرجل يتحدث عن تاريخ بلاده من دون أدنى وعي به فهو يقول «تركيا إحدى الدول القليلة التي لم تكن أبدا دولة معتدية واستعمارية على مدار تاريخها» مع أن التاريخ مليء باعتداءات تركيا ومظالمها واستعمارها للكثير من دول المنطقة!
واللافت أنه لا يلقي بالا للأمن والاستقرار العالمي، ويحظى بتشجيع من بعض القادة على أمل أن تتسبب مغامراته في القضاء عليه سياسيا، ولكن الثمن الذي سيدفعه العالم والمنطقة لهذه المغامرات قد يفتح باب خراب ودمار لا يطاق ليس فقط على دول المنطقة، بل أيضا على تركيا ذاتها، التي يدفع اقتصادها ثمنا باهظا لمغامرات قيادتها واندفاعها في التدخلات الخارجية غير المشروعة وصراعها مع جيرانها على موارد الطاقة، فالخبراء الأتراك أنفسهم يحذرون من انهيار العملة الوطنية تحت وطأة خطر اندلاع حرب مع اليونان، فيما حذر بعضهم من خطر «دوامة أزمات» لا فكاك منها، بعدما سجل الاقتصاد التركي انكماشا خلال الربع الثاني من العام الجاري 2020، بنسبة 9.9% على أساس سنوي، في ظل تراجع قيمة الليرة أمام الدولار وارتفاع عجز الموازنة، ولكن الواضح أن إردوغان لا يلقي بالا لمثل هذه المؤشرات ويراهن على أوهام قومية توسعية يدغدغ بها آذان أنصاره من الشعب التركي.
والحقيقة أن صمت القوى الدولية على تدخلات إردوغان في ليبيا وسوريا قد لعبت دورا محفزا يعزز أطماعه في غاز شرق المتوسط حتى بات يتحدى اليونان وفرنسا، شريكي تركيا في حلف الأطلسي، ما يعني أن المسألة قد تجاوزت فكرة الصراع عن الطاقة وباتت بمنزلة إعلان فعلي على تفكك الحلف الذي أصبح أعضاؤه على وشك مواجهة بعضهم البعض عسكريا!
وأعتقد أن المخرج من كل هذه الإشكاليات يبدأ بأن يبعث الأوروبيون برسالة حازمة وموقف مشترك وقوي يتصدى لمخطط السلطان التركي، ويلجم هذا الجموح التركي الذي يعتمد على الفوضى السائدة في العلاقات الدولية في الوقت الراهن.
@salemalketbiar