فهد عبدالله

الأحداث الهامشية والحياة الحقيقية

الاحد - 06 سبتمبر 2020

Sun - 06 Sep 2020

بين المؤثر والاستجابة هناك مساحة من الفراغ. في ذلك الفراغ تكمن خبرتنا وقدرتنا على اختيار الاستجابة. في الاستجابة يكمن نمونا وسعادتنا. هذه العبارة الحكيمة أطلقها ستيفن كوفي والتي يستطيع الإنسان في مختلف مستويات الوعي أن يتلمس مستوى الصحة فيها من خلال المواقف المتكررة اليومية.

فعندما تضع مسافة من الزمن بين الفعل وردة الفعل فتلك الخطوة الأولى، وعندما تجتهد في اختيار الاستجابة الحكيمة وبمعزل قدر الاستطاعة عن تأثير الحالة الشعورية فتلك الخطوة الثانية، وبالتأكيد أن هذه العملية برمتها إن لم تكن من مخرجاتها استجابات حكيمة فبالتأكيد ستزيد من مساحات الحكمة في التعامل مع الذات، وسوف تسمح بتجلي أجمل طبائع البشر ولو بعد حين.

وهذه الممارسة الإيجابية التي قد ترتقي لأن تكون منهجية في التعامل التفاعلي بين الإنسان والآخر أو حتى بين الإنسان وظروف الحياة المختلفة، وتلك الرسائل الداخلية التي تداهم العقل والفؤاد بدون مقدمات هي السهل الممتنع الذي تجد حلاوته وقت الرخاء من المؤثرات وقد تتنفس الصعداء تطبيقا في وقت الشدة، ليست بالمنهجية اليسيرة إلا لمن يسرها الله له من خلال زيادة الحيز المعلوماتي والتطبيقات المتكررة التي أيضا يمكننا هندمتها على جميع تلك المبادئ والمنهجيات السلوكية.

في أحد اللقاءات مع أحد الأصدقاء الذين خرجوا من إطار العمل الوظيفي بالتقاعد المبكر وبعد فترة ليست بالوجيزة صادف أن سألته كيف هي مجريات الحياة فيما بعد التقاعد؟ فأجاب بالفور كنت أعيش في وهم، وتابع سرد قصته بأن سقف العمل وخلافات المصالح الشخصية التي تختلط بمصالح العمل وضعتني في ذلك الصندوق المليء بالنزاعات التي والله لو رجعت بي الأيام لما دخلت في نزاع قط. وكأنه يقول بطريقة أخرى عندما خرج من دائرة المثيرات بالطريقة الجبرية استطاع أن يتخلص من سلطة الشعور وأن يقيم بشكل أفضل تلك الاستجابات التي تخلى عن الانتماء لها تماما.

هذه المسافة القصيرة في الزمن بين الفعل وردة الفعل أو المثير والاستجابة نتيجتها ليست مقولبة فقط على نوعية ردة الفعل الآنية، بل قد ينسدل ستار الأثر فيها على أغلب حيثيات الحياة كما قد عبر عنها غازي القصيبي رحمه الله بمقولته الشهيرة «ستدرك في وقت متأخر من الحياة أن معظم المعارك التي خضتها لم تكن سوى أحداث هامشية أشغلتك عن حياتك الحقيقية. فاجعل هذا الإدراك مبكرا»، ولربما مرت بك عبارات نادمة سمعتها في مثل هذا الجانب من أشخاص كبرت بهم السن أو جالت بهم التجارب العديدة فأدركوا ذلك الصفاء من بعد كدر طويل الأجل.

هي هكذا الحياة تنغمر فيها بمثل المواقف التي قد تكون فيها الاستجابات غير مثالية لطبيعة البشرية التي نحن عليها، وأيضا جزء من هذه البشرية امتلاك العقل الذي سيكون موفقا في مثل هذه المواقف إذا جعل من أدوات التأمل والمراجعة والتقييم غير الموجه بسلطة الشعور الآنية هي الحكم والفيصل ومحور الالتزام السلوكي. بمثل هذه الحالة البشرية الموفقة سيكون أقسى المجهودات في تهذيب النفس مما يصيبها من النقص هو الشكل البشري الذي يقترب من الحالة المثالية مما قد تعجل من ظهور حكمة الكبار في السن في وقت مبكر.