فرحان الذعذاع

السكن الخيري وتكريس نظرة الشفقة

الخميس - 03 سبتمبر 2020

Thu - 03 Sep 2020

تحفل هذه البلاد المباركة بقيادة المسؤولين فيها بكل مناحي الخير ومبادرات البركة التي تعين المواطن على العيش بكرامة وبأقل التكاليف بل وبالمجان في كثير من المبادرات السكنية الخيرية المباركة، وما شراء العمائر بمختلف الأحياء وتوزيعها على محتاجي السكن إلا جزء من المبادرات الحكومية الكريمة لحفظ كرامة الأسر وسد احتياجهم، بل وفتحت المجال لمبادرات أهلية تساعد في حل أزمة السكن نسأل الله ألا يحرم القائمين عليها الأجر والثواب، ولو أن هذه المبادرات الأهلية لم تلتفت إلى بعض السلبيات حين تنفيذها!

انتبه: هنا مساكين!

انتبه: هذا حي الفقراء!

احذر: هنا الأرامل والمطلقات وأبناؤهن!

لسان الحال يكفي عن لوحة إعلانات، وليس شرطا أن تكتب هذه العبارات، بل يكفي أن ينشأ مشروع خيري، وخلال الإنشاء يكتب عليه مشروع إسكان خيري للأرامل والمطلقات والأيتام والفقراء، وسكان الأحياء المجاورة سيتكلفون بوصول هذا الإعلان ووصف القاطنين فيه لجميع سكان المنطقة بل والعابرين لها سبيلا!

هذا الجرح الغائر في نفوس هذه الفئة العزيزة الكريمة والتي أجبرتها الظروف أن تسكن بهذا السكن الخيري الذي كلف صاحب الفضل فيه والقائمين عليه مئات الملايين احتسابا للأجر، ألا يمكن أن تتم هذه الخيرية دون جرح من سكنوه؟

لكل مجتمع خصوصية ولكل شعب صفات تميزه عن غيره، وأكثر ما يجرح كرامة الناس نظرة الشفقة من الآخرين، كونهم أيتاما أو أرامل أو فقراء ومساكين! لا يستطيعون أن يبنوا كغيرهم بيوتا تأويهم لأي سبب كان!

عندما نعزل هذه الفئة ونجمعها بمحيط سكني واحد بحي مستقل مع من يشابهها في معاناة الفقر أو الحاجة أو اليتم فكأننا ننمي المعاناة لديهم، وبالتالي نحصل على سلوك جمعي متشابه وربما يكون خطيرا ويؤيد بعضه بعضا ويشجع بعضه بعضا في الخطورة.

تكلفة البناء واحدة سواء على شكل بيوت مجتمعة في محيط واحد وحي معزول عن الآخرين أو موزعة على الأحياء، تتبقى فقط فروقات أسعار الأراضي الموزعة على الأحياء عن الأرض الواحدة الكبيرة التي تنشأ عليها البيوت المجتمعة.

وأظن لو فكر أهل الخير جديا في فروقات الأسعار لوجدوها لا تساوي شيئا مقابل توزيع هذه البيوت على الأحياء ومن فوائدها: رفع الحرج عن ساكنيها وإشعارهم بأنهم جزء من محيطهم ولا يختلفون عنه؛ فقد بلغت الحساسية لدى بعض سكان هذه البيوت الخيرية أنه يخجل من ذكر اسم الحي الذي يسكنه حتى لا تجرحه نظرة الشفقة من الناس!

دمج الأيتام وأبناء الأرامل من الشباب مع بيئات مختلفة وأسر مختلفة من حيث الأوضاع الأسرية والسلوكية وعدم إجبارهم على بيئة مشابهة بظروف متشابهة ربما يكون لديها نفس المعاناة وبالتالي البقاء بنفس البيئة مما يزيد من المعاناة ويكرس السلوك السلبي بتشجيع بعضهم لبعض.

توفي والده وهو في عمر 3 سنوات وحين دخل المدرسة في السنة الأولى كانت توزع على الأيتام حينها الاحتياجات الدراسية ملابس وأحذية وبعض المستلزمات كمساعدة لهم، فكانت الطريقة أن يمر المسؤول على الفصل وينادي بأسماء أيتام كل فصل أمام زملائهم فيأخذهم ويعطيهم هذه المستلزمات كمساعدة كونهم أيتاما ثم يعودون لفصولهم... كان ذلك اليوم من كل عام جرحا غائرا من نظرات الشفقة في أعين الزملاء لم ينته أثره مدى الحياة.

@_shaas_