عبدالله العولقي

لبنان بين التفاؤل والتشاؤم

الخميس - 03 سبتمبر 2020

Thu - 03 Sep 2020

يقال إن الرئيس الفرنسي الأشهر شارل ديغول لا يتخذ أي قرار سياسي دون النظر إلى خارطة العالم لكي يفهم أبعاد القرار دوليا، ولا شك أن هذه العادة الرئاسية قد تسللت إلى كافة رؤساء الإليزيه من بعده، ولعل أكثرهم دائما ما يشيرون إلى خارطة لبنان وهم يتفحصون الخارطة الدولية، فلبنان تعني الشيء الكثير إلى فرنسا، ويظل فرانسوا ميتران وجاك شيراك بالإضافة إلى الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون هم أكثر الرؤساء الفرنسيين اهتماما بلبنان وشؤونه في العصر الحديث.

بعد أحداث مرفأ بيروت الأخيرة، زار الرئيس الفرنسي ماكرون العاصمة اللبنانية مرتين، الأولى بعيد الساعات الأولى من الانفجار، وهي رسالة تعاطفية مع نتائج الكارثة المأساوية، والثانية تحمل برنامجا اقتصاديا لانتشال لبنان من هاوية السقوط، وقد استهل زيارته لمنزل الفنانة الكبيرة فيروز باعتبارها أيقونة وطنية خالدة ورمزا ثقافيا وفنيا للبنان، فربما تكون فيروز هي ما تبقى من معاني الجمال والوطنية في بيروت، أو لأن فيروز رمز نقي يتفق عليه اللبنانيون على اختلاف أديانهم وطوائفهم وأعراقهم.

الظاهرة الصوتية حسن نصر الله، استبق أحداث الزيارة التاريخية بخطاب ممجوج كعادته، رسائل مبطنة إلى الرئيس الفرنسي فحواها أن حزب الله هو مفتاح الحرب والسلام في لبنان، وأي تسوية سياسية يفرضها ماكرون على الحالة اللبنانية لن تمر دون توقيع معتمد من الضاحية الجنوبية، متجاهلا هذا الأرعن أن الملف اللبناني لم يعد بيد الفرنسيين وحدهم، وأن بيروت المنكوبة بسبب سلوكياته العنترية قد باتت قضية دولية على طاولة الأمريكان والاتحاد الأوروبي، وأن هناك تنسيقا دبلوماسيا عالميا بخصوص الشأن اللبناني سيفرض واقعا جديدا في عمق الحالة السياسية اللبنانية، ولن يسمح أبدا لثنائية (الشيعة المتطرفة والمارونية) باستغلال الدولة ومقوماتها لصالح الأجندات الأجنبية أو المصالح الذاتية!!.

التحدي الأكبر أمام اللبنانيين يكاد ينحصر في الطبقة الحاكمة، فالرئيس ميشيل عون جزء رئيس في معضلة لبنان اليوم، اصطفافه اللامسؤول مع التيارات الميثولوجية المتطرفة كحزب الله وحركة أمل، أفقد اللبنانيين الثقة في حكومتهم، وما تصريحه الأخير حول عدم نيته تقديم الاستقالة عن رئاسة لبنان إلا تعميق للإشكالية الإدارية في بيروت، بل إنه ذهب أبعد من ذلك عندما رفض فكرة نزع سلاح حزب الله وتسليمه للجيش الوطني، وتستره اللاأخلاقي على مجرمي كارثة مرفأ بيروت!!.

وأخيرا، المتشائمون حول الحالة اللبنانية يرون أن باريس التي احتضنت الخميني فترة من الزمن ثم جلبته إلى المنطقة حتى يعيث بها فسادا وهرطقة بنظرياته وخرافاته هي من ستسلم اليوم لبنان وعلى طبق من ذهب إلى ملالي طهران، وهي ذاتها التي احتضنت ميشيل عون كلاجئ سياسي ثم قدمته إلى اللبنانيين كأسوأ رئيس في تاريخ لبنان الحديث، بينما المتفائلون يرون أن الرئيس الفرنسي ماكرون قدم خطة اقتصادية مدعومة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لإصلاح الشأن في لبنان، وما تهديده الأخير بفرض عقوبات دولية على النخب الحاكمة إن لم تغير سلوكها تجاه الشعب إلا برهان على حسن نية الفرنسيين تجاههم، ولذا تبقى الأيام القادمة حاسمة للبنانيين بين التفاؤل والتشاؤم!!.

@albakry1814