صالحة أحمد الصبحي

من يتحكم فيك؟

السبت - 29 أغسطس 2020

Sat - 29 Aug 2020

أنا وأنت وهو وهي نسخة فريدة لا تتكرر، حتى مع توأمها إن وجد، قد تتكرر في الشكل الظاهري مع التوأم لكنها ليست طبق الأصل تماما، وذلك من عجيب صنع المولى سبحانه، وإذا تأملنا مليا في تلك النسخة من يحكمها؟ ما الذي يضبط سلوكها وانفعالاتها؟ ما الذي يجعل منها مبدعة أم عادية، إيجابية أم سلبية، نشيطة أم على النقيض، طموحة أم متخاذلة، محبوبة أم بالكاد مقبولة؟ ما المؤثر الأقوى في تشكيلها في الحاضر والمستقبل؟

تتعدد الإجابات وتتفرق القناعات، وتتسع التبريرات.. فهناك من يعتقد أن الوراثة هي المسؤولة بالدرجة الأولى، فمن ولد لأبوين أو أحدهما فائق العبقرية، طموح التطلعات والأهداف، حسن المعشر فحتما سيشبهه في حاضره أو مستقبله!، فلا داعي لبذل جهد لتغيير صفات أو طموحات أو غير ذلك، ويعتقد فريق آخر أن التربية الأسرية أو الذاتية هي المسؤول الأول عن معتقداته وطموحاته وتطلعاته ودوره فقط يحسن بعض الشيء أو يغير ما قد يمكنه تغييره

ويتفرد فريق ثالث في اعتقاده بأن من يتحكم في الإنسان ويشكل شخصيته وطباعه وانفعالاته هو مزيج من عناصر ثلاثة يعضد كل منها الآخر فلا يمكن فصل أحدها بمعزل عن الآخر فهو يؤمن بدور الجينات الوراثية في رسم ملامح الشخص الظاهرية، وتأطير صفاته السلوكية، كما يعتقد بأهمية تأثير التربية على التغيير الإيجابي أو السلبي، وهو في الوقت ذاته لا يهمل دور البيئة فلها في نظره تأثير ليس باليسير.

وبحسب الدراسات المختلفة وبنظرة متأملة للحياة نجد أن الفريق الثالث هو الموفق فقد رضي وسلم بجيناته الوراثية التي لا دخل له في تغييرها سلبا أو إيجابا، بل نجده يحاول بذكاء الاستفادة من النواحي الوراثية الإيجابية وتوظيفها لصالحه، وفي نفس الوقت يداري ويتغلب على الصفات الوراثية السلبية بتهذيبها تارة وتصحيح مسارها تارة أخرى، وفي الوقت ذاته يؤمن بقوة بتأثير البيئة المحيطة به بل وأبعد من ذلك يبادر هو بالتأثير فيها وتحسينها قدر المستطاع ولا يستسلم فقط لتأثيرها عليه بكافة عناصرها الخاصة والعامة ومن أخص عناصر البيئة المحيطة به هي الأسرة التي نشأ بها وترعرع فيها والأسرة المتوقع أن ينشئها هو فلا يضيع وقته وعمره في محاولة تغيير الآخرين بدون ما يركز على نفسه فهي الأساس وهي بؤرة التغيير الأساسية، فبالتأكيد عند إحداث أي تغيير وتطوير فيها سينعكس على ما حولها من بيئة وأشخاص فيأخذ بيدهم للأفضل والأجمل،

والمتأمل في علوم الأولين والآخرين والتي من أشرفها القرآن والسنة يجد صحة وجهة نظر الفريق الثالث، فالوراثة لها دور ركيز لا يمكن إغفاله، وقد درج الناس على الثناء على من اتبع مورثاته الحسنة، ولوم من خالفها، ومن ذلك حكى الله سبحانه وتعالى على لسان بني إسرائيل لومهم لمريم الصديقة بعد افترائهم عليها (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا)، وكانت العرب تقول (من شابه أباه فما ظلم)، ومن تأثير التربية على الإنسان قوله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه، أو يمجسانه) فهما بتربيتهما يغيران معتقده وباقي صفاته من باب أولى، وفي ذلك يقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه.

أما تأثير البيئة فيتجلى بقوة في قصة الرجل الذي قتل 99 نفسا وجاء يسأل أهل العلم هل له توبة؟ فأفتاه العالم بأن نعم لكن لابد من تغيير البيئة بالخروج من قريته إلى قرية أخرى فيها قوم صالحون يعينونه على التوبة ويشجعونه على الأعمال الصالحة،

خلاصة القول أن من يتحكم فينا هو شيء من الوراثة و شيء من التربية مع شيء من البيئة، ومن رحمة الله بعباده أن جعل لهم إرادة تغير وتطور وتحسن في تلك العوامل ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فهلا نهضنا بأنفسنا واستعنا بربنا لنجعل من أنفسنا شخصية فريدة ترضى بما ليس في إمكانها تغييره وتمزجه بمؤثرات بيئتها وتربيتها بل وتكون هي أقوى مؤثر إيجابي محفز لنفسها ولغيرها على طريق الخير والفلاح.