شاهر النهاري

إبرة السياسة.. وحقنة الاقتصاد

الاثنين - 24 أغسطس 2020

Mon - 24 Aug 2020

يشهد عصرنا الحالي وجود جائحة كورونا العالمية (كوفيد 19)، والتي أصابت حوالي 23 مليون بشر على وجه الأرض، وحصدت من الأرواح ما فاق ثمانمائة ألف نسمة، والبقية تتبع.

وماذا كانت النتيجة؟ هل توحد العالم كتلة واحدة، بدوله المتقدمة صناعيا وطبيا لمواجهة الكارثة، وبنوايا خالصة لصالح البشرية؟

وجواب ذلك محبط للغاية، فوجدنا أن اللقاح أصبح هدفا تجاريا وسياسيا لعدد من قيادات الدول العظمى، التي سارعت بالإعلان عن اكتشاف اللقاح، وبشرت بقرب بيعه في الأسواق، بشكل يدعو للرعب، فهذا عكس ما عهدناه في لقاحات الزمن العاقل، حينما كان اللقاح يدار بالطرق الطبية العلمية بعيدا عن السياسة والتجارة، على حساب حياة البشر.

وحتى نفهم أكثر، فاللقاح مستحضر حيوي (يحتوي على جراثيم أو فيروسات حية أو مضعفة أو ميتة، أو بعض سمومها)، فحينما تدخل إلى جسم الإنسان السليم، تحث أجهزته المناعية على التعرف على الجرثوم أو الفيروس، والتفاعل ضدها بصنع مضادات حيوية تدافع عن الجسد في حال تعرضه للجراثيم أو الفيروسات النشطة، وتدميرها، بالمناعة الفاعلة المكتسبة من عملية التلقيح.

المشكلة أن اللقاح الذي لا يتخذ سائر الخطوات العلمية، التي تقرها منظمة الصحة العالمية من تحديد اللقاح، وبدء تجريبه على حيوانات المختبرات، لفترة طويلة، لمعرفة أي حساسية، أو أضرار يتم رصدها طوال حياة تلك الحيوانات، والتأكد من خلال الدراسات التشريحية للحيوان، بعد مماته.

اختبارات طويلة لا يمكن تسريعها، قبل دخول مرحلة تجريب اللقاح على البشر المتطوعين، ومتابعتهم لسنوات، للتعرف على ما قد يصيبهم من أضرار اللقاح، قبل أن يؤتمن على صحة وحياة البشر العاديين، وليس من الأطفال والمرضى المزمنين، أو كبار السن، والحوامل.

العملية الطبية لإنتاج لقاح مضمون عملية إنسانية بالمقام الأول، ولا يمكن تسريعها سياسيا، ولا تمكينها تجاريا، غير أننا للأسف نرى في عالمنا الحالي، كيف أن زعماء الدول العظمى يتنافسون، ويتراشقون بالتصريحات النارية، ويشجعون مختبراتهم العلمية، وشركاتهم ومصانعهم الطبية للمسارعة في إنتاج لقاح كورونا، وبيعه كيفما اتفق على معظم دول العالم، بنظرة جشعة تتبع مؤشرات السياسة والاقتصاد، وتحاول إنعاش سياستها، ومناطق الركود في تجارتها، وبطالتها وكسادها، وتظل مصلحة الإنسان آخر همهم!

دول منتصف كثيرة دخلت المنافسة، وأكثرها ركيكة الثقة العلمية والصحية، ولكنها تمتلك الأبواق وتحاول سرقة بواقي صفقات الدول الفقيرة، دون خشية مما يترتب على ذلك.

دول غنية مستهدفة بأن تشتري الصفقات، من تلك اللقاحات، التي تتبارى بالخداع والغموض، ولا تقر منظمة الصحة العالمية عقلانيتها وأمانها وسلامتها.

مسكين إنسان الدول المستهلكة، فجزء من تلك اللقاحات سيتم تطبيقه عليه بطريقة عمياء، وربما تتوقف عمليات التطعيم حينما يكتشف حدوث الضرر، ويتم إتلاف بقية الصفقات ودفنها في الأرض أو البحر، ما قد يحدث أضرارا بيئية مهلكة.

السياسة طغت على كل مجريات الحياة، بتمكين بيع الوهم والضرر، وكأننا نعود بمستديرتنا آلاف السنين، لعهود ضروب السحر، والشعوذة، والمعالجة العمياء القاتلة.

نتمنى من وزارة الصحة السعودية أخذ كامل وقتها، وحريتها في دراسة ما يثبت بالدليل القاطع أنه مفيد، وشراء ما تتم الموافقة عليه من قبل منظمة الصحة العالمية، وما يثبت استعماله واقعا (وليس دعاية)، عند أعيان الشعوب المصنعة ذاتها، قبل فترة طويلة من بيعه.

@alnahariShaher