عبدالحليم البراك

حرب الإعلاميين الجدد!

الاثنين - 24 أغسطس 2020

Mon - 24 Aug 2020

يواظب الإعلاميون «الورقيون»، وإعلاميو التلفزيون والقنوات الفضائية والصحافة التقليدية مؤخرا الهجوم على نجوم مواقع التواصل الاجتماعي، والحكاية لم تبدأ من العشر سنوات الأخيرة في نظري، بل قديمة للغاية، وسأوجزها قبل أن أعود للصراع الأخير، واستشراف نهاية الصراع الأخير بين الإعلاميين ونجوم مواقع التواصل الاجتماعي.

على مستوى العالم ككل، كانت الواجهة الإعلامية هي المنابر، التي اختارها الإنسان وسيلة للتواصل بينه وبين الناس، ولبث أفكاره، وفي العصر الحديث ظهرت الصحافة، فظهر صراع مرير بين المنابر وبين الصحافة، وانتصرت - كالعادة - التقنية والعلم على الفكر القديم، برغم الحملة الشعواء على الصحافة الورقية، كانت المنابر تهاجمها بتهم متعددة، إما بالمروق تارة، وإما بالسطحية بالعلم تارة أخرى، لكن تسلل الصحافة للبيت وبقاؤها (ورقيا) يوما أو أكثر في البيت والمقهى والعمل، جعل سلاحها أقوى من خطبة عصماء، تنتهي بانتهاء كلام صاحبها، ولم يبق منها إلا ما يتناقله الناس عنها؛ مع ما يضيفون إليه من تهويل أو تقليل، وانهارت الخطب العصماء، والسجع، وصار تأثير مقال يتناقله الناس ويتناسخونه أكثر بكثير من تأثير كلام رجل وسط الناس، يصيح بهم ويوجههم!

بعد أن دخلت الصحافة البيوت، جاءت تقنية الراديو والتلفزيون، وتعاونا في البقاء في السطح، لأن العدد محدود، ويمكن التعاون والتنسيق بينهم، وكانت الدول مظلة لهذا التعاون، وجاء البث الفضائي ليقلل قليلا من أثر الإذاعة والتلفزيون المحلي والصحافة الورقية، لكن من دق المسمار في النعش (ليس المسمار الأخير حتما، لأنني لا أزال أكتب لكم من صحافة تقليدية!) هو مواقع التواصل الاجتماعي، فإن كان الناس مضطرين لشراء صحيفة أو الإنصات لإذاعة تبث بحسب برامجها أو تلفزيون محلي يختار المادة ويوجهها، أو قناة فضائية مثيرة، إلا أن التواصل الاجتماعي أزال كل هذه التكتيكات، فصار جيبك الصغير يحتوي على أكثر من تطبيق يبث فيه الناس كلامهم، بل يمكن أن يكون لحديث يأخذ ساعة أو ساعتين كما في فيديوهات «اليوتيوب» أو عشر ثوان فقط في «سناب شات» أو مقالة طويلة في «الفيس بوك» أو تغريدة قصيرة مؤثرة في «تويتر» أو يوميات في المواقع الأخرى، فأنت ترى هذه المقاطع في كل مكان وفي أي وقت (حرفيا) وإن كانت السلطة للنخبة سابقا في المنابر وفي الصحافة والتلفزيون والراديو، فإن السلطة أصبحت بيد الناس والجمهور والغوغاء العاقلة وغير العاقلة أحيانا.

الآن نسمع بكائيات الإعلاميين بطلب ضبط تويتر، أو مراقبة اليوتيوب، أو إغلاق سناب شات، أو عقاب للكلام «الهايف» الذي يطلقه أبطال مواقع التواصل الاجتماعي ليس حبا في الناس، فطوال عمرهم في منابرهم يكذبون، وفي الصحافة يزعمون أنهم يتكلمون بالحقائق ويطلقون الأفكار بطريق واحد هو طريقهم دون طريق الناس، والراديو ينتقي ما يروق له حتى الاتصالات الواردة إليه، أما وفلت الأمر من أيديهم، فقد صارت تلك المواقع خطرا محدقا على الناس!

ليس ثمة خيار للإعلاميين أصحاب الصحافة والتلفزيون، وعالم الراديو، ورواد الاتجاه الواحد، إلا الإذعان للزمن، اركبوا موجة التقنية الجديدة مثلكم مثل الشباب، جربوا هذه التقنية الجديدة، وإلا فإن البساط الذي سحبتموه من غيركم، حق لغيركم أن يسحبه منكم، فهذه سنة الحياة، وتلك هي التكنولوجيا «نداولها» بين الناس، فإن شابت أفكاركم فلا تشب عقولكم، فتقبلوا الهزيمة بروح رياضية والبقاء لأشياء بسيطة لكنها مؤثرة: للشباب، والعلم والتكنولوجيا والحياة، والبقاء لله وحده!

بالمناسبة، آخرون جربوا أن يدخلوا عالم مواقع التواصل الاجتماعي باختلافها، تحدثوا مثل الخبراء، و تقافزوا بهدف جذب الجمهور، ضغطوا على الزر الأوسط وسجلوا ما يريدون، أفكارهم لم تجذب الشباب، فتكاتفوا مع المحاربين القدامى، والنتيجة لم ينجح أحد!

@Halemalbaarrak