ياسر عمر سندي

في يوم في شهر في سنة

الأربعاء - 19 أغسطس 2020

Wed - 19 Aug 2020

هذا الخميس هو غرة شهر المحرم 1442هـ، أهنئ نفسي والجميع؛ على ما أنعمه المنعم علينا من نعم كثيرة وعطايا وفيرة، لا تعد ولا تحصى؛ وأعظمها هي نعمة الصحة والأمان، وكل عام وأنتم بخير، بمناسبة أول يوم جديد، في أول شهر جديد، مع بداية عام هجري جديد؛ ولا يخفى على الجميع أن لهذه الفترة الحرجة، خصوصيتها من الحذر، وحساسيتها من الضجر على جميع البشر؛ بسبب وباء كورونا كوفيد 19؛ الذي أثر على مجريات العالم سلبا، وأحدث رهابا اجتماعيا عاما، ساعد في ظهور ترهلات في النسيج المجتمعي، عطل من علاقات الحياة الإنسانية؛ نفسيا واجتماعيا، وأدى للجمود، واللامبالاة السلوكية.

ومن عادتي السنوية قبل انتهاء العام، أنني أقوم في يوم معين أخصصه، وأكاد أقضي جله، في مساجلة نفسي ماديا، ومعنويا، وأراجع فيه سيرتي الذاتية الخاصة، وأتجول في بنودها ومعاييرها، ما سيتم إضافته، وما سيتم حذفه؛ وبمؤشر خاص، وهو مؤشر أرتضيه، وأضعه؛ لأقيس من خلاله كافة تعاملاتي البينية؛ أي التي تتم بيني وبين الآخرين، من جانبين شرعي، وعرفي؛ وعلى معيارين سلوكي وأخلاقي؛ وهذا المؤشر ألجأ إليه، كتقييم مرحلي شخصي لذاتي ونفسي؛ وتقويم عام سنوي لمساري، ومسلكي؛ والذي أقوم بصياغته بعدة تساؤلات أطرحها - ماذا أنجزت على المستوى الشخصي من كل شهر على مدار سنة كاملة؟ ماهي أهدافي التي وضعتها وهل انتهيت منها؟ ماهي أهم الأشياء التي أفتخر بها على المستوى العملي، والأخلاقي، والمشاعري؟ وماهي الأشياء التي أخجل منها؟ ومن هم من دائرتي المقربة، والذين أهتم بهم شخصيا، وعلاقتي معهم كأسرتي الصغيرة؟ ومن هم الذين لا أهتم بهم، لكي أضعهم في سلة مهملات ذاكرتي؟ وماهي المواقف الإيجابية التي صنعتها؟ وماهي الفرص الذهبية التي أضعتها؟ وماهي سلوكياتي اللفظية والفعلية والإيمائية التي أتميز بها لأعززها؟ وماهي السلوكيات التي أزعجتني من نفسي وغيري لأبتعد عنها؟ وماهي جودة المنجزات ونوعيتها؟ وأهم سؤال أضعه وأحاسب عليه نفسي، في كل يوم من أيام عامي الذي سيمضى؛ ماهي استعداداتي لآخر يوم من حياتي؟

قد يجد البعض صعوبة في وضع هذا المؤشر الذاتي، وأجده غاية في السهولة، إذا ما تعود الإنسان أن يحاسب نفسه، قبل أن يحاسبه غيره؛ وهنالك من يختبئ وراء أعذاره، وتبريراته الواهية؛ من منطلق قول رب العزة والجلال «بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره» سورة القيامة الآية 14، فالمحاسبة الذاتية خير وسيلة لمكاشفة النفس، وتعريتها، وتجريدها؛ من صولاتها، وجولاتها في مساحات الكبر، والتعالي الزائف، وأحيانا يكون التعالي من منطلق التعنت، وهذا هو الإشكال المبين، وقد ينزرع في النفس البشرية بدافع الجهل، ومن منطلق التربية الهشة، ومن خلال النمذجة الوالدية المتخلفة. فتجد هذا الكائن البشري الغريب في أطواره، والضعيف في سلوكياته، لا يراعي ذاته، ولا غيره، ولا يكاد يستشعر بأنه أضعف مخلوقات الله؛ لا يملك من قوته سوى عضلة، إذا فسدت تتقن التصريح والتجريح، لتنقل ما ران على القلب، فتساعده على إخراج أسوأ السلوكيات اللفظية، وما يتبعها من أفعال، ولغة جسد بالي ينتظر ما سيحتضنه من تراب، وما سيطبق عليه من حيز بلا أبواب، إلى يوم الحساب.

ولو رجعنا بمؤشرنا الذاتي، وتذكرنا كم فقدنا، وكم افتقدنا؛ من مشاعر، وأشخاص التصقوا بذاكرتنا وأرواحنا؛ من أقارب وأخوة، وأبناء، وبنات، وأصحاب، وآباء، وأمهات؛ قبل وأثناء جائحة كورونا التي تعايشنا معها؛ ونتساءل - ألم تحرك فينا تلك الأحداث مياه الجمود السلوكي، والأخلاقي، والمشاعر الراكدة؟ هذا المؤشر الذي أنادي به، ما هو إلا أسلوب تربوي ذاتي، ومجتمعي يرتكز على ثلاثة أسس رئيسة، حثنا عليها دستورنا القويم، وقرآننا العظيم «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين «سورة الأعراف الآية 199.

فالوقفة الجادة مع ذواتنا، يلزمها مراجعة لأحوالنا؛ بتخصيص يوم، نحدده في شهر، قبل أن نبدأ السنة.

@Yos123Omar