فاطمة آل هليل

(Algorithm) المسيطر الجديد على العالم

الأحد - 16 أغسطس 2020

Sun - 16 Aug 2020

من منا لا يعرف أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي؟ حيث كان واحدا من أهم العلماء المسلمين الذين لا يزال العالم يتذكرهم إلى اليوم ويرفع لهم تحية إجلال لما قدموه إلى العالم حيث كانت له بصمة عظيمة في التطور العلمي والتكنولوجي الذي نعيشه اليوم، حيث قام بوضع الطرق العلمية المبسطة لحل المسائل الرياضية المعقدة والتي سميت فيما بعده باسمه (الخوارزميات) أو «Algorithm»، وهذه الطرق ببساطة تتمثل في إنشاء سلسلة مرتبة من التعليمات والأوامر التي تقوم بوظائف معينة وتستخدم في عدد كبير من المجالات، ففي الرياضيات تستخدم لتسهيل العمليات الحسابية ذات الأرقام المتعددة، فمثلا لو أردنا جمع عددين من قبيل (4342 +3243) بالطبع سيكون من الصعب جمعهما بهذه الطريقة، ولكن وفقا للخوارزميات عند وضع العددين فوق بعضهما البعض وترتيب كل خانة عددية فوق الأخرى سيسهل عليك جمع العددين و إجراء أي عملية حسابية أخرى عليهما. هنالك العديد من الخوارزميات التي تسهل العديد من العمليات الحسابية، لكن استخدام الخوارزميات لا يقتصر على هذه العمليات البسيطة بل إنه يدخل اليوم وفي هذه اللحظة في أدق تفاصيل حياتنا اليومية العادية حيث طور البشر الخوارزميات وقاموا بتوظيفها في عدد من المجالات المختلفة بشكل متنوع جدا فاق تصور العقل البشري.

ومن أهم المجالات التي استخدمت الخوارزميات فيها المجال التقني التكنولوجي، فعند حديثنا عن التطور التكنولوجي لابد أن ينطبع في أذهاننا صورة لجهاز حاسوب الذي يمثل ذروة التقدم التقني الذي نعيشه اليوم، وظيفة جهاز الحاسوب تتمثل في معالجة البيانات حيث يحتاج لمجموعة من البرامج المختلفة التي تمنحه هذه الكفاءة التي يوجد بها اليوم، وهذه البرامج تحتاج إلى لغة برمجية مخصوصة يكتب بها على شكل رموز تمكننا بعد ذلك من استخدام الجهاز. الخطوات السابقة التي تتمثل بكتابة البرامج باستخدام لغات البرمجة حتى تصل إلى الحاسوب لتكون متاحة بين أيدينا تعد نسخة مطورة من الخوارزميات أو ما يسمى اليوم بالترميز أو Coding» « ، وسبب عدم قدرتنا على إيصال الفكرة التي نرغب بتنفيذها بشكل مباشر إلى الحاسوب باستخدام اللغات اليومية التي نستخدمها هو أن الحاسوب لا يعي شيئا في هذا العالم كله سوى الصفر والواحد، ومن هذين الرقمين يتمكن من إنتاج كل هذه العمليات التي يقوم بها اليوم، وذلك بالطبع لا يتم إلا عبر استخدام خوارزميات مختلفة تساهم بتنفيذ هذه الأوامر عبر تحويلها للصفر والواحد ليفهمها الحاسوب.

«Lary Page» و»Sergey Brin» مؤسسو شبكة Google قاموا بوضع خوارزمية أسموها بــ»Page Rank» التي تقوم بترتيب صفحات الإنترنت حسب أهميتها بناء على نسبة الأهمية التي قيمها بها العديد من المستخدمين من خلال صفحاتهم الشخصية.

هذه الخوارزمية جعلتهما من أهم رجال الأعمال في العالم بغض النظر عن كونها الآن نظرية قديمة تم استبدالها اليوم بخوارزميات أكثر تعقيدا وتطورا منها، لكن هذه الخوارزمية تمثل الأساس الذي غير استخدامنا للإنترنت تماما. اليوم تستخدم Google خوارزميات لا تعتمد على التصنيف البشري فقط، بل تعتمد على الكثير من تحليلات تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي، فعندما تبحث عن كلمة معينة في موقع Google تجد الرد بصورة فائقة متمثلا لك عبر قائمة منسدلة تحتوي على أهم الكلمات المفتاحية التي تساعدك على الوصول لما تبحث عنه، وفي الغالب تكون المساعدة في مكانها الصحيح، الخيارات المختلفة الظاهرة في القائمة المنسدلة تمر بمراحل تحليل كثيرة تعتمد على معلومات سابقة تكون أنت قد بحثت عنها في وقت لاحق وعلى معلومات أخرى بحث عنها غيرك وتحتوي على ذات الكلمات المفتاحية أي إنها مرتبطة بمجال بحثك، ثم يتم بعد ذلك تصنيفها عبر خوارزميات ذكية ومعقدة لا تصرح بها google كونها سر تفوقها على بقية محركات البحث، ولتعلم بأن نتائج بحثك في Google بنسبة تتجاوز 12% نتائج مشخصنة تم ترتيبها لك بناء على نتائج الخوارزميات التي قامت بتحليل بياناتك ودراسة اهتماماتك.

برمجة الخوارزميات بالشكل الآلي الذي يعتمد عليه الكثيرون اليوم تدخلنا في دائرة الخطر، فجعل الخوارزميات تعمل دون تدخل بشري قد يوقعها بالخطأ، ففي عام 2012 قامت الحكومة الأمريكية باستخدام خوارزميات مختلفة لاختيار الفائزين بالإقامة باستخدام القرعة التي تقدمها سنويا لآلاف المهاجرين لأمريكا، ولكن وقع خطأ في الخوارزمية وتم اختيار جميع الفائزين من المسجلين في اليوم الأول فقط لا غير، مما تسبب بإلغاء النتيجة في ذلك العام، هذا الخطأ من الممكن أن يتم تفاديه، كون النتائج يجب أن تطبق عبر الموظفين ولم تخرج الأمور من السيطرة بسببه لكنه ليس الخطأ الوحيد الذي ذكره لنا التاريخ، فمثلا قد تؤدي الخوارزميات لكوارث عظيمة في بعض الشركات، ففي شهر ديسمبر من 2014 حدث خطأ في خوارزمية في موقع أمازون قامت بعمل خصم يصل إلى 99.99 على عدد كبير من المنتجات المطلوبة من قبيل أجهزة الحاسوب والهواتف الذكية، فتسبب هذا الخطأ بخسارة ضخمة في الشركة بالرغم من أن الخطأ حدث لبضع دقائق.

على الجانب الآخر بالرغم من خطورة التوسع بالاعتماد على الخوارزميات إلا أننا اليوم نرى مستقبلا مشرقا للخوارزميات في كثير من المجالات، ففي مجال الطب يقوم اليوم العلماء بدراسة خوارزميات تعمل على تقييم مستوى الألم باستخدام تعابير الوجه فقط بعد إدخال صورة للمريض وبعض البيانات كالجنس، والعمر، وغيرها. وهذا الأمر سيكون حلا لمعضلة كبيرة في عالم الأمراض، كونه يصعب على الطبيب أن يشخص مستوى الألم. وفي المستقبل القريب من الممكن للخوارزميات أن تحلل حالة الإنسان النفسية فقط بوضع صورة (سيلفي) خاصة به، بالإضافة لعدد من البيانات المختلفة فتقوم بتشخيص الحالة النفسية بالرجوع لتعابير وجه المريض، والمميز في هذه الخوارزميات أنه من الممكن أن توجد بصورة تطبيق على هواتفنا النقالة لتقوم بتنبيهنا متى ما احتجنا لزيارة الطبيب النفسي.

قد تكون الخوارزميات وبرامج الحواسيب معقدة بشكل يفوق استيعابنا لكن من المهم علينا كمستهلكين للتكنولوجيا الحديثة أن ندرك أبعاد هذه التقنيات ونفهم جيدا كيف تتحكم بعالمنا وحياتنا، فمهما تطورت هذه التقنية لابد لها أن تكون تحت إرادتنا وقدرتنا وسيطرتنا لكي نمنع الأخطاء من الوقوع، فالتكنولوجيا لم تخلق للتحكم فينا، ولكنها خلقت لخدمة الإنسان وجعل حياته أسهل وأكثر سعادة.