بندر الزهراني

وادي السيليكون وأودية الاستعراض!

السبت - 15 أغسطس 2020

Sat - 15 Aug 2020

التقليد في كل صغيرة وكبيرة لا يعني إلا الشعور بهزيمة المقلد بغض النظر عن حالة المقلد، أو كما يقول ابن خلدون: إن المغلوب مولع بالاقتداء بالغالب، وسواء أكان الاقتداء اتباعا تاما أو موافقة في بعض الأشياء ومفارقة في أخرى يظل المقلد مهزوما نفسيا ومغلوبا على أمره ما لم يحاول التحرر من هذه العقدة والتخلص من حالة التبعية، والقيادة في عمومها إما إلهام أو تقليد، وبالتالي فالقائد إما ملهم ذو رؤية واضحة وتميز أو مقلد تابع لا طعم لنجاحه ولا لون، ونجاح القائد المقلد ليس نجاحا محضا وفشله في التقليد فشل مريع.

وادي السيليكون هو الجزء الواقع جغرافيا جنوب خليج سان فرنسيسكو، وقد اكتسب تسميته وشهرته من شركات الشرائح السيليكونية، أو ما يعرف بالدوائر الكاملة، المستخدمة في صناعة التقنية الحديثة، حيث تضم هذه المنطقة معظم شركات التقنية المعروفة اليوم، فهو ليس مجرد شركة واحدة أو مجموعة شركات تحت مظلة واحدة، لا، بل هو أشبه ما يكون بالتجمع العشوائي المتجانس للعقول الفذة والإدارات الناجحة، وهذا الوادي تحيط به من جميع الجهات جامعات ذات سمعة مرموقة ومكانة عالية في مختلف التخصصات.

وإذا كان لدى العالم التكنولوجي وادي السيليكون فجامعاتنا ترى أن لديها أوديتها الخاصة بها، فهناك على سبيل المثال شركات: وادي جدة في جامعة الملك عبدالعزيز، وادي الرياض في جامعة الملك سعود، وادي مكة في جامعة أم القرى، وادي الظهران في جامعة الملك فهد، وادي الأحساء في جامعة الملك فيصل، ووادي طيبة في جامعة طيبة، وربما هناك أودية أخرى لم أتكلف عناء البحث عنها، وإن كنت في قرارة نفسي لست ضد هذا النوع من التقليد، إلا أنني ضد تكراره في أكثر من جامعة، لماذا؟ لأن في ذلك استنزافا للموارد المالية فيما لا فائدة منه على الإطلاق، اللهم تسمين المسمن وذر الرماد في عيون السذج والمغفلين!

ولعل شركة وادي الظهران هي أول من حاكى - لا أقول قلد - تجربة وادي السيليكون، وكان اهتمامها منصبا حول ما يتعلق بصناعة «البترول» لا الرقائق السيليكونية، وهذا يتسق مع هوية الجامعة وجغرافية المكان وثقافة السكان، أما ماعداها من شركات أودية الجامعات المحلية فهي تقليد للمقلد، ليس فيها محاكاة للواقع ولا هي تبن كامل أو شبه كامل لتجربة يمكن وصفها بالناجحة، لا أبدا، هي مثال صارخ للاستنزاف لا الاستثمار، والاستعراض لا التميز والإبداع!

إحدى الجامعات من ذوات الأودية المحلية تبيع البيض والجرجير في الحرم الجامعي، باعتبارها منتوجات زراعية للجامعة، وجامعة ثانية تستثمر في بناء وتشغيل رياض الأطفال والمدارس العالمية، وفي أخرى يشاركون أو يضاربون في صفقات عقارية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وإذا قيل لهم احترموا على الأقل شرف التسمي والتشبه بوادي السيليكون وكونوا في المستوى تولوا كبرهم، وانقلبوا فيما فشلوا فيه وهم عن مقومات النجاح وأبجديات التفوق يعرضون!

شغل «قلد تقاليد وشخبط شخابيط» ما عاد ينطلي على عقول وأفهام الناس الواعية المتنورة بعلومها، المدركة لواجباتها الوطنية، فنحن في عصر التقنية الرقمية، وبرامج التواصل الاجتماعي، والكل مطلع ولديه المقدرة على التمييز بين ما يستحق المدح والثناء والإعجاب وبين ماهو مجرد سراب أو استعراض ووعاء لبذل الأموال والطاقات دونما مردود حقيقي يرتجى خيره، ولذلك لا بد أن تنتهي كل مظاهر هذا البذخ والإسراف عند هذا الحد، ولا بد من التوقف ومحاسبة رؤساء ووكلاء رشح واستنفع وربح واستربح، فلا زمان ولا مكان لهم في عصر الدوائر الوطنية الكاملة.

drbmaz@