فيصل الشمري

أصل الأصولية في العالم العربي

الاحد - 09 أغسطس 2020

Sun - 09 Aug 2020

خلال الخمسين سنة الماضية واصلت العلمانية في العالم العربي حالة التراجع. إذا ربطنا هذا التراجع بحدث معين أدى إلى هذا التراجع وما تلاه من صعود الحركات الأصولية في العالم العربي فستكون حرب الأيام الستة عام 1967.

وفشل الأنظمة الجمهورية في بعض الدول العربية في إيجاد حلول حقيقية شعبية أو في التعامل مع القضية الفلسطينية.

وبحلول منتصف السبعينات كان الأصوليون المصريون قد نفذوا سلسلة من الهجمات الإرهابية المتفرقة التي أدت لانتباه الغرب الذي كان في ذلك الوقت لا يزال يركز على تهديد التوسع الشيوعي واستخدام الحركات الأصولية الإسلامية وحركات الإسلام السياسي في مواجهة المد الشيوعي.

جلبت نهاية الحرب السوفيتية الأفغانية في عام 1989 وتفكك الاتحاد السوفيتي بعد ذلك بعامين الحركات الأصولية والفكر الأصولي إلى المقدمة باعتباره تهديدا كبيرا للسلام الدولي، وبالذات بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، وتفجيرات قطارات مدريد 2004 وسلسلة التفجيرات في لندن 2005.

أخذت القاعدة لنفسها الحق في استهداف الغرب باسم الدين الحنيف، ولكن كظاهرة رجعية ومفارقة فإن الأصولية الإسلامية غير قادرة بطبيعتها على تحقيق رؤيتها السياسية أو المجتمعية بالذات ذات الطابع الجهادي.

كان لشعارات الثورة الفرنسية تأثير كبير على مثقفي مرحلة العلمانية العربية التي استمرت من القرن 19 حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية. أضعفت السياسة الأوروبية الاستعمارية بالذات بعد الحرب العالمية الأولى قضية الليبرالية العربية وأدت إلى ظهور الأصولية الإسلامية. كما مهدت الطريق لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين عام 1928، وهي حركة راديكالية لعبت دورا محوريا في إعادة تشكيل العالم الإسلامي خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. يرجع انخفاض الليبرالية العربية جزئيا إلى رفض بريطانيا إقامة دولة عربية في سوريا على الرغم من تعهدها السابق بذلك، وعدم إيفائها بوعودها للثوار العرب ضد الإمبراطورية العثمانية.

كان محمد راشد رضا المفكر الإسلامي المؤثر من أتباع الإصلاحيين أو التنويرين في القرن التاسع عشر مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، الذين روجت تعاليمهم الليبروإسلامية لنسخة من المجتمعات الإسلامية تتوافق مع متطلبات الحداثة. أيد رضا بإخلاص إقامة المملكة العربية السورية في 1919 وتبنى لها دستورا علمانيا لم يعلن الإسلام دينا رسميا للدولة، ووعد وبشر في الديمقراطية التعددية، لكن معاهدة لوزان 1923 التي اعترفت بالانتداب الفرنسي على سوريا غيرت موقف رضا عن الترويج للعلمانية وتبنى السلفية والإسلام السياسي، والذي ألهم بدوره حسن البنا لتأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مصر للتحول إلى الإسلام السياسي الحركي.

ونشر سيد قطب مفكر الإخوان المسلمين المتطرف ذو التقلبات الفكرية الذي تحول من أقصى الليبرالية من المطالبة بالحرية المطلقة إلى الأصولية، ومن حزب الوفد إلى حزب الإخوان، فيما بعد حكم بشنقه بسبب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر، كتابا عام 1964 بعنوان «معالم في الطريق»، وضع الأسس الفكرية للحركات الإسلامية المتشددة على مدى نصف قرن. والتي تصنف مجتمع الإخوان مجتمع الحق والفئة الناجية وغيرها كافر.

جادل قطب أنه إذا كان للإسلام أن ينجح فسوف يحتاج إلى شن حرب ضد الغرب ونشر القيم الدينية والثقافية الإسلامية على مستوى العالم وهو صدام حضارات لا مفر منه. وفقا لقطب كان الغرب مفلسا أخلاقيا وغير قادر على تقديم نظام قيم وظيفي للبشرية.

يعتقد القادة الأصوليون مثل قطب صراع الحق في جماعته ضد كل ما خالفها تسبب في نهاية المطاف في صعود الجهادية المتشددة المعاصرة. على الرغم من إباحة قطب العنف فإن الجهاد بالنسبة له أمر حاسم في تحقيق الهدف النهائي للجماعة: وصول الجماعة للسلطة والحكم. وقع بسبب تعاليمه أول صراع بين الجهاديين الأصوليين في مصر خلال التسعينات قبل أن تنتشر في أماكن أخرى وتصبح عابرة للحدود.

هناك أوجه شبه واضحة بين الحركات الأصولية والحركات الشمولية مثل النازية والفاشية. كلاهما يطمح إلى استعادة أمجاد الماضي واستعادة الإمبراطوريات المفقودة أو العثور على إمبراطوريات جديدة. يؤمن الفاشيون بالتفوق الثقافي والأخلاقي لعرقهم، وهم يرون أنفسهم كمروجين لمهمة تنهض بمصالح الشعوب المحرومة. في عام 1938 روج البنا بأن كل مسلم ممارس حسب أدبيات الجماعة عليه واجب حماية كل مسلم آخر تماما كما رأى «الرايخ الألماني» نفسه حاميا لكل من لديه دم ألماني.

وأضاف البنا أنه إذا اعتقد موسوليني أنه يحق له إحياء مجد الإمبراطورية الرومانية فإن المسلمين لديهم الحق في استعادة عظمة الإمبراطورية الإسلامية حتى على حساب الدول المستقلة ذات السيادة، جميع الدول العربية يجب أن تخضع لحكم الجماعة.

يتصرف الإسلاميون الراديكاليون والأصوليون مثل الفاشيين الدينيين. إنهم يستخدمون الوحشية والقسوة لفرض الامتثال الشعبي ونشر الفوضى لتقويض سلطة الدولة. يعلنون الجهاد على النخبة الحاكمة وكذلك شريحة من الشعب الذين يرونهم مرتدين. ترتكب الحركات المتشددة، مثل تنظيم داعش وتنظيم القاعدة والنصرة، أفعالا بغيضة وتطبق عقوبات وحشية دون الاعتراف بعناصر التوبة والغفران التي هي عناصر ذات أهمية كبرى في الإسلام.

الأصولية في العالم العربي هي نتيجة عقود من الخمول الثقافي والركود الفكري والسياسات الاجتماعية والاقتصادية الفاشلة في العديد من البلدان العربية وخاصة في الجمهوريات.

لقد شوه المتطرفون دور الإسلام في السياسات المجتمعية. لقد قاموا بتسييس الإيمان وجعلوه محوريا في تعريفهم للحداثة.

بالنسبة لهم الحداثة تعني وجود دولة يهيمن عليها الدين. إنهم يسعون لقمع وجهات النظر المتعارضة، ويستخدمون إيمانهم لتبرير القضاء الوحشي على خصومهم بغض النظر عن دينهم. إنهم يفتقرون للسيطرة الكاملة على البلاد، إنهم يروجون لأيديولوجيتهم الدينية باعتبارها واحدة تقدم تفسيرات وإجابات دقيقة لجميع الظواهر الاجتماعية، وتبرير استخدام العنف من خلال الادعاء بأنه من الضروري حماية قدسية الإسلام.

من خلال استهداف الدولة فإنهم ينفرون السكان المحليين الذين ينظرون إليهم على أنهم العدو في الداخل، وكذلك أنصارهم السابقين الذين أصبحوا يرون أن الدول تعمل للمستقبل بينما الحركات الأصولية تحول العودة للماضي، وفق فهمهم الضيق.

لم يعد معظم المسلمين يؤمنون بأن الأصولية الإسلامية ستقدم مستقبلا أفضل. إن صعود حركات متطرفة مثل داعش والنصرة والقاعدة في مرحلة الربيع العربي ومحاولة تفرد الإخوان بالسلطة كشفا أن الحركات الأصولية، سواء جهادية أو سياسية، لن تقدم مستقبلا أفضل بل تريد العودة للماضي، ومهمة الإصلاح السياسي ذات التوجه الإصلاحي ليست حقيقة وتوازنها بوصلة أخلاقية أصبحت مهووسة بقيام الخلافة الأصولية الآن في مرحلة تراجع في العالم العربي.

mr_alshammeri@