بندر الزهراني

الحروب الأكاديمية الباردة.. رفقا بالوطن!

السبت - 08 أغسطس 2020

Sat - 08 Aug 2020

هناك مؤشرات ودلائل لا يمكن تجاوزها دون الحديث عنها أو الإشارة إليها - على الأقل لمتتبعي الشأن الأكاديمي - توحي بنشوء «حرب» أكاديمية باردة بين وزارة التعليم من جهة وهيئة تقويم التعليم والتدريب من جهة أخرى، وهذه الحالة من الأجواء المشحونة بالخلافات والخصومات الجهوية للأسف الشديد لا تخلق تنافسا شريفا ينتهي بنجاح وتفوق أحد الطرفين المتنافسين أو ينتهي بتكاملهما ونجاحهما معا، ولكنها تخلق جوا مشحونا بالأوهام الشخصية، والأحلام النرجسية، أو بالانتصارات الشكلية، والمؤلم كل الألم أن هذا يحدث على حساب المصلحة الوطنية!

في لقاء قيادات التعليم الجامعي الرابع كان واضحا نقد الهيئة لأداء الوزارة في التعليم العام، والتقليل من مخرجات الجامعات في ظل نتائج الاختبارات المعيارية التي تقدمها الهيئة، وكنت مع الكثيرين آنذاك مستبشرين بالنقد الحر وبالشفافية التي تحلت بها الهيئة، إلا أنه مع مرور الوقت وتتابع الأحداث بدا واضحا أن النقد المبطن بالمثالية ما كان إلا هجوما مركزا بين أشخاص لا جهات، أو بين مجموعات لا مؤسسات، وأنه كان كما قالت الأمة لأهلها: وراء الأكمة ما وراءها.

ثم ما إن تشبثت الوزارة بنظام التعليم الافتراضي ورأت فيه بديلا للتعليم الواقعي إبان انتشار فيروس كورونا، إلا وهب الناصحون إلى حثها على إنهاء أو تأجيل الفصل الدراسي لئلا تقع في إشكالية تقييم الطلاب والطالبات، ولكن الوزارة كانت كمن يضع في أذنيه قطعة من الرصاص المذاب بطرا وإعراضا! فكررت أخطاءها، ووقعت في قلة تدبيرها، خاصة عندما أقرت إقامة الفصل الصيفي في الجامعات بنفس الطريقة التي اتبعتها في الفصل الدراسي السابق له، ثم مرورا بمقترح المناطق التعليمية الحمراء والبرتقالية والخضراء، لتظهر الهيئة متنكرة في كل هذه المشاهد ومتنمرة في ثياب الواعظين!

وبالرغم من أن التناقض حركة كامنة ودائمة في الأشياء، وهناك أشياء كثيرة تقوم على أنقاض نفسها أو أنقاض غيرها، والأفكار المتناقضة بطبيعتها دائما ما تخلق موضوعا ثم جدلا بقدر التناقضات فيها، إلا أن تناقضات الوزارة والهيئة تناقضات فارغة لا تخلق جدلا ولا موضوعا، فالهيئة ناقضت نفسها حينما أصرت أن تكون الاختبارات المعيارية سواء القدرات أو الكفايات اختبارات عن بعد، وهذا ما دعا الوزارة لبث رسائل الرجاء والتوسل ألا تكون الاختبارات كذلك، لصعوبة التقييم ولأنها حاسمة في مسألة القبول في الجامعات، وبالتالي ناقضت نفسها هي الأخرى!مشروع الاختبارات المعيارية لتسكين الطلبة في التخصصات الجامعية مشروع أحادي الدراسة والتنفيذ تتبناه الوزارة، ويقوم على أساس تقسيم التخصصات في الجامعات إلى مسارات خمسة، ولكل مسار اختبار قبول محدد، وتبدو أهداف المشروع الظاهرة نبيلة ووجيهة، ولكن الهدف الحقيقي لهذا المشروع - باختصار شديد - هو التخلص من اختبارات الهيئة بشكل ذكي ودبلوماسي، وعلى أن لدي ملاحظات كثيرة على هذا المشروع من نواح عدة إلا أنني سأترك الحديث عنها لوقت لاحق، لأنها تحتاج لكثير من تسليط الضوء والتحليل.

وجود الهيئة كجهة مستقلة عن التعليم يخلق تدافعا طبيعيا، وهذا بلا شك هدف جوهري، ولكنه ليس أهم الأهداف، ولا أسمى الغايات كما قد يظن البعض، وفي اعتقادي أنه لو تم ربط الهيئة إداريا بوزارة الاقتصاد والتخطيط مثلا لكان في هذا تصويب لمسارها المهني وتعظيم لأدائها العملي، وإنهاء لصراعات أكاديمية باردة لا طائل منها، تأتي رويدا رويدا على عطاءاتنا وإبداعاتنا فتعركها عرك الرحى بثفالها، ويظل صراع الفيلة فوق العشب الأخضر دمارا وخرابا للشعب الأخضر، الأخضر قلبا وقالبا والأبي شموخا وطموحا.. رفقا بالوطن!

drbmaz@