مرزوق بن تنباك

الحج الآمن

الثلاثاء - 04 أغسطس 2020

Tue - 04 Aug 2020

في كل عام يكون الحج موعدا مع المسلمين من مشارق الأرض ومغاربها في البقعة المباركة والأرض المقدسة ومعهم ومع من يفد إليها تكون الدولة في كل قدراتها وإمكاناتها مسخرة لخدمة ضيوف الرحمن في حلهم وفي تنقلهم منذ قدومهم حتى تنتهي شعائرهم.

لم تدخر عنهم شيئا مما يحتاجون إليه من الخدمات مع أن القادمين يأتون من ثقافات ولغات وتقاليد وعادات مختلفة، ولكن القائمين على خدمتهم يحسنون التعامل مع الكل ويبذلون ما يستطيعون لخدمة العدد الكبير من الناس.

كانت ظروف الحج ومشكلاته متعددة بتعدد جنسيات القادمين إلى الحرمين مكة والمدينة، بعضها جديد وبعضها مما عرفه الذين توكل إليهم خدمات الحجاج فيكون التعاون والتنسيق، ويكون النجاح حليفهم والخبرة مكتسباتهم لكل ما يجد من القضايا التي تواجههم أو يتجدد حدوثها حتى أصبح لدى المسؤولين عن إدارة شؤون الحجاج خبرة وتجارب متراكمة تساعد على حل ما يحدث من جديد.

والتعامل مع ما هو معروف ومعهود لهم من المشكلات، وبخبراتهم التراكمية ينجح المسؤولون في ضبط الحج وتذليل الصعاب ويمر الحجيج في الأراضي المقدسة بيسر وسلاسة وارتياح واطمئنان.

ويعزو الناس ما يتحقق من النجاح في كل عام إلى الخبرة وقياس ما يحدث إن حدث إلى شبيه له ومماثل مما قد جرب وعرف في السنين الماضية، وهذا هو منطق الأشياء أن يكون للتجارب ما يسهل القياس على مثله، والتجربة أكبر برهان ولهذا يضيفون النجاح في كل موسم إلى تجربة سابقة، وهو تعليل ممكن ومقبول ولا شك بأهمية التجربة ومساعدتها في تسهيل حلول ما يماثلها من القضايا ذلك قول لا خلاف عليه.

وأما هذا العام فمر الحج ومر نجاحه فكرة وتنظيما وإدارة وتصورا بلا أي سابقة مماثلة أو خبرة سابقة ولا تجربة معروفة. ضربت جائحة وباء كورونا العالم كله بلا إنذار ولا مقدمات ولا سابق خبرة ولا تجربة. وواجهها العالم من الصفر، واعتمدت كل دولة خطة ابتكرتها وبروتوكولا أخذت به واختلفت طرائق مواجهة الوباء أيما اختلاف، وكنت ممن أشفق كثيرا عندما أعلن شيوع المرض في مارس الماضي وانتشاره، ولم يخطر ببالي غير الحج وكيف نواجه الكارثة وما الممكن فعله أمام المسلمين الذين سيكونون على موعد بعد أشهر في حج غير مسبوق، ومرض ينتشر انتشار النار في الهشيم.

والأشد من ذلك أننا سنكون الدولة الوحيدة التي ستواجه الوباء والحج بخبرة من الصفر أيضا، وبدون عون من تجارب الدول كافة التي حاولت مواجهة المرض واستفاد بعضها من بعض، لأن الأمر في الحج يخصنا نحن دون غيرنا من دول العالم، هذا هو مصدر القلق الذي خطر على البال.

لقد حدث ولله الحمد أن كانت المملكة وكان المسؤولون فيها على قدرة عالية من التخطيط والتفكير فيما يضمن سلامة الحجاج وييسر أمورهم ويبعد المسلمين عن خطر المجازفة بسلامتهم فكانت فكرة الانتخاب لمن يسمح له بالحج وفكرة التمثيل الموفق لمن هم قادرون على أداء شعائره، هي الحل الذي رآه المسؤولون عن الحج ووفقهم الله إليه، دون تعريض الناس للخطر، فكان الحج الآمن حتى وإن لم يكن بالأعداد التي كانت تأتي كل عام هو القرار الصائب والخطة المحكمة والتدبير الموفق.

فقد تمت سلامة الحجاج وتمت مناسك الحج وشعائره دون أن تعطل الفريضة أو يخاطر الناس بمجازفات قد لا تحمد عقباها، فوفق الله المسؤولين على التدبير المناسب والتجربة المبتكرة على غير مثال سابق لمواجهة الكوارث الطبيعية، فنجحت الخطة بتوفيق الله وعونه والمعول عليه، بارك الله الجهود وأعان الجميع والحمد لله أولا وآخرا.