دلال العريفي

ما لا يفعله القائد الحقيقي

الثلاثاء - 28 يوليو 2020

Tue - 28 Jul 2020

كنت قد قرأت مقالا بعنوان «الأمور التي لا يفعلها إلا أفضل القادة»، وكنت قد توقعت أنه سيتحدث عن أشياء سحرية، أو ممارسات إدارية تستحيل وتصعُب على أغلب القادة والمسؤولين. لكني وجدت أنها أمور يفعلها كل قائد يتمتع بقدر كاف من الذكاء العاطفي والمهارات الشخصية الناعمة، ولديه كمية عظيمة من المبادئ الإنسانية.

وأظن أن الأخيرة هي الوصفة العجيبة التي يعنيها الكاتب. إلا أن ما استوقف تفكيري وسحب ذاكرتي هو حديثه عن القادة الذين «لا يأسرون موظفيهم»، ولا يكبلونهم بسلاسل الإدارة إن هم فكروا يوما بالترقي أو الانتقال من عملهم الحالي أو الترشح لمنصب آخر. فالذي يحدث أحيانا أن بعض المديرين يغرهم منصبهم، ويغريهم استبقاء الموظف بطريقة مجحفة جدا، فيحرمونه حريته في الانتقال أو الحصول على منصب جديد، بل وقد يحرم من حضور البرامج والمؤتمرات. وحكاية الأسر والتكبيل هذه يفهمها جيدا أولئك الذين أمضوا سنوات في محاولة كسر القيود الإدارية التي كُبّلوا بها من قبل رؤسائهم.

كنت قد تعرضت لمثل هذه المواقف سنين طويلة، وبصراحة أظن أن هذا «التعرض» هو سبب التركيز على هذه النقطة تحديدا والحديث عنها هنا.

ولكم أن تتخيلوا شعور الأسير في وظيفته، المحروم من كل الفرص التي تتساقط بيديه بحجج وأعذار كحجة التخصص أو عدم الاستغناء مرة، والاعتذار بعدم مناسبة الوقت مرة أخرى، ومبررات أخرى قد تُقبل مرات لكنها لا يمكن أن تُمرر عليك، ولا يمكن لأحد أن يقنعك بها عشرات المرات بعد ذلك.

لكن الأيام تدور ونتيقن مع دورانها أن بصماتها لا تزال راسخة داخلنا، وتنعكس على كل قراراتنا، وهنا حضور قوي لسنوات الخبرة، وفرصة لاستثمار ما تعلمه الإنسان خلال مواقفه السابقة. فحين يكون لك قرار السماح برحيل موظف، والموافقة على انتقاله، مع كل التميز الذي يمتلكه، فأنت تقف بين أمرين تعرف جيدا وقعهما وعواقبهما عليك وعلى الطرف الآخر. وتدرك جيدا أنك إن ملكت سلطة المكان فليس لك حق في تقرير مصير العاملين فيه.

ربما يواجهنا هذا الموقف كثيرا، ويبقى الأمر الذي يلزمنا حينها أن نتذكر مرارة الحرمان الذي عانينا منه، فنسعى بما أوتينا من قيم ومبادئ أن نجنب غيرنا ما ذقناه. نسعى في كل مرة أن ندعم اختيارهم بحسب قدرتنا. ليس رغبة في مغادرتهم وإنما للإيمان القوي باستحقاقهم لفرص الحياة، وأننا وهُم في محطات الحياة، لهم ما لنا من الحق في التنقل والترقي والاختيار.

والأكيد أننا لو قيدناهم بمكانهم قد لا نخسر وجودهم لكننا نخسرهم هم، ونخسر ودهم وبعضا من مبادئنا. ولو آمنا أن العمل يستحق، ومصلحة العمل أيضا تقتضي، وعلى هذا وذاك تبنى القرارات وتصدر الخطابات، فلا بد أيضا أن نعي جيدا أن كل شخص يستحق أن ينطلق لأهدافه وأحلامه. ثم إن في بعض البدلاء عوضا جميلا، فلماذا الأَسر؟

قد نتفق جميعا يا أصدقاء أن القائد الحقيقي هو من يدعم نجاحات الآخرين، ويدرك أن تميزهم امتداد لأثره، فلا يأسرهم في وظائفهم، ولا يسمح أن يكون تميز الموظف أو الحاجة إليه مبررا لحرمانه من فرص التنمية، أو الترقي في المناصب التي يطمح لها، مع أنه قد يحدث أن يبلغ التأثير العظيم للقائد حدا يجعل الموظف يتخلى عن هدف أو حلم في سبيل البقاء معه، أما حين يمارس المسؤول على موظفيه شتى أنواع الحرمان فلا يتخيل أن أحدا سيفضل البقاء في دائرته السامة على المغادرة مع أول رحلة.

darifi_@