بندر الزهراني

إشكالية مبتعثي وزارة التعليم!

السبت - 18 يوليو 2020

Sat - 18 Jul 2020

يبدو أن الإدارة العامة للتدريب والابتعاث بوزارة التعليم كانت لديها خطط طموحة، تتمثل في ابتعاث المتميزين من منسوبيها من المعلمين والمعلمات، وهذه خطوة بلا شك جيدة، ولا بد أن دوافعها كانت تعود لاحتياج الوزارة، إما لكوادر مؤهلة للعمل الإداري في الوزارة أو في إدارات التعليم التابعة لها، وإما لإلحاقهم بالجامعات للعمل الأكاديمي أو الإداري، ودوافع كلتا الحالتين وجيهة بغض النظر عن النتائج المتوقعة، وإلا فإنه من غير المنطقي ابتعاث هؤلاء المعلمين والمعلمات لمجرد الابتعاث والعودة بدرجات أكاديمية عليا ليقال إن الوزارة لديها برنامج تدريب وابتعاث!

المبتعث في هذا البرنامج لا يبتعث صدفة، أو هكذا بين عشية وضحاها، بل يترشح ابتداء من الإدارة التعليمية التابع لها، ثم يمر ترشيحه بعدة عمليات في الوزارة بعد أن تُستوفى شروط وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، ثم يجري ارتباطه مع الملحقيات الثقافية لضمان قبوله ومن ثم انتظامه في الجامعات الموصى بها، تماما كما هي الإجراءات والأنظمة المعمول بها عند ابتعاث معيدي ومحاضري الجامعات المحلية، ولكنه إذا عاد يعود على وظيفة معلم كما كان قبل ابتعاثه، دون اعتبار لما ناله من درجات أكاديمية، أو لما يحمله من علوم وتجارب وخبرات أو حتى مكانة علمية!

ولسان حال ضحايا هذا البرنامج يقول: نحن وقد تخرجنا في جامعات عالمية مرموقة، سواء من أمريكا أو أوروبا، وقضينا هناك سنوات عديدة في الدراسة المكثفة علميا والمركزة بحثيا، وشاركنا في نشر أبحاث لها قيمتها العلمية والمعنوية في الجامعات والمراكز البحثية، ولا تقل قدرا ومستوى عن تلك التي يقدمها نظراؤنا من مبتعثي الجامعات المحلية أو حتى من مبتعثي الدول الأخرى، وقد اجتزنا الاختبارات الشاملة بكل نجاح واقتدار، ثم قدمنا أطروحات علمية حديثة، ونوعية متميزة، نلنا إثرها درجة الدكتوراه، ولما عدنا إلى أرض الوطن والأمل يحدونا، لنعيد له جزءا مما نحمل في أعناقنا من ولاء ووفاء؛ وجدنا الوزارة أول المتجاهلين لنا، وأول المتنكرين لجهدنا وتعبنا، فكانت الصدمة وكان الذهول!

المنطق الإداري الناضج يقول: لا بد أن يكون لدى الوزارة خطة استيعاب لهؤلاء المبتعثين على وجه التحديد، خاصة إذا ما علمنا أن أعدادهم تكاد تكون قليلة جدا بحيث يمكن استقطابهم إما في إدارات التعليم بدلا من الأكاديميين المعارين من الجامعات أو إحلالهم في الجامعات بدلا عن المتعاقدين الأجانب ممن هم في درجاتهم العلمية، فليس من المعقول أن نخسر هذه العقول الوطنية بسبب ضبابية كانت في التخطيط أو قصور ظهر عند التنفيذ!

ما ذنب هذه الفئة من المعلمين والمعلمات أن تقابل بالجحود والنكران أو بالإهمال والحرمان! وتهمش مؤهلاتهم العليا، وتطبق عليهم لائحة الوظائف التعليمية الجديدة! فمساواتهم بغيرهم من زملائهم (حملة البكالوريوس) ليست عدلا، وليست من الحكمة والحنكة الإدارية في شيء، والأدهى من هذا كله أن لا تحسب دراستهم الأكاديمية في سجل النمو المهني، ويطالبون بالتسجيل في دورات التدريب الصيفي إن رغبوا في تكوين سجلاتهم الوظيفية، وبالتالي جمع نقاط الترقية! وهذه للأسف تبدو وكأنها عقوبات، بل ظلمات بعضها فوق بعض.

وعلاة على ما سبق، يطلب منهم اختبار الرخصة المهنية كل خمس سنوات، فإن فعلوا فعلى مضض، وإن رفضوا أوقفت علاواتهم السنوية، ولا يكفي حصولهم على الماجستير أو الدكتوراه، ولا يشفع لهم مهما نشروا من أبحاث أو قدموا من مشروعات، ومن المؤكد أنه مع تطبيق لائحة الوظائف الجديدة سيتم خفض مراتبهم الوظيفية الموازية لسلم المراتب العامة، على سبيل المثال من كان في المستوى السادس، الدرجة الخامسة عشرة، وهذا مرتبته تعادل المرتبة الثانية عشرة في سلم المراتب العامة، فإنه سيوضع في المستوى الثالث، الدرجة الرابعة، فيعادل المرتبة العاشرة، أي خسارة مرتبتين، فوق خسارة الوطن له ولمثله من هذه الكفاءات البشرية المؤهلة تأهيلا عاليا!

ربما يقول قائل: إن برنامج الابتعاث هذا كان ضمن رؤية الوزارة في زمن معين أو لغرض محدد، ولما انتهى انتفت معه الفائدة! وهذا القول ليس عذرا مقبولا ولا تبريرا معقولا، فإن كانت الوزارة فعلا تتبنى هذا التبرير أو شيئا مثله فهي في الواقع كالأم التي تشنأ أبناءها لأنها تشعر أنهم خطيئة، وهم في حقيقة الأمر لا جرم لهم إلا أنهم كانوا نتيجة حسابات خاطئة ولحظات زهو عارمة أو بذل غير متزن، فمن أولى بالمراجعة والمحاسبة يا تُرى، المخطئ المصر على خطئه أم المتضرر من الخطأ والمتألم من أثره؟

drbmaz@