دلال العريفي

أحاديث إدارية.. رحلة التغيير

الاثنين - 13 يوليو 2020

Mon - 13 Jul 2020

يحزنني كثيرا هذا التشبث العجيب بالمصطلحات الإدارية، وكأن المعجزة لن تتحقق إلا بإضافة واستبدال المسميات فحسب، مع أن تلك المصطلحات تتطلب بدهيا استحداث مهام وزيادة صلاحيات وتمكين عاملين وأمورا تنظيمية أكثر قد لا تخفى على أي مسؤول إداري، لكن البقاء في الإطار القديم ومحاولة جذب شيء جديد ومتطور ليست عملية منطقية أبدا، ولا أتصور أنها يمكن أن تحقق أهداف أي إدارة.

فمفردة التغيير مثلا لا تتناسب مع الالتزام بالإجراءات واللوائح «القديمة»، ولا تتلاءم مع عقلية العالقين في إجراءات الماضي أساسا! الرافضين التخلي عن النمط القديم، والحالمين في الوقت نفسه برحلة «تغيير»! لكن من قال إن رحلة التغيير يسيرة؟! تلك الرحلة لم تكن يوما كذلك، سواء على مستوى الفرد أو على مستويات الأعمال.

فالانتقال من طور إلى طور يحتاج إلى استعدادات كافية، ودوافع عميقة ونوايا صادقة.

والأكيد أن النوايا وحدها لا تصنع تغييرا، وليست كلمة سر نحو التغيير.

تخيل معي - عزيزي القارئ - أن يعلن المدير عن خطة جديدة «للتغيير»، ثم يبشر من حوله بأنه سيتم الالتزام بالأنظمة المعتمدة نفسها منذ عشرين سنة! هل كان ينتظر معجزة؟

في العمل الإداري، هناك محطات متعددة ومتشابهة للراحة قبل التغيير، ثم بعد التغيير قد تعود تلك الراحات مرة أخرى، لكننا أثناء الانتقال وخلال ذلك التغيير لا نشعر غالبا إلا بعناء التغييرات ووعثاء التحولات، وهذه ليست مريحة أبدا لكنها تستحق كل عناء وجهد.

من أهم الأمور التي تسبق رحلة التغيير للأفراد والمؤسسات أن ندرك جميعا أين نقف، ونستمع لجميع التخوفات، وهنا نفعّل كل قدراتنا الفكرية فنحدد الهدف من التغيير، ونعرف المخاطر ونتوقع التحديات ونناقشها مع البحث المستمر عن الحلول والبدائل المتاحة. ولضمان نجاح أي تغيير إيجابي شخصي أو مؤسسي لا بد من الاقتناع التام ووجود رغبة ملحة تستثير أعماق الأفراد لذلك.

ولست بحاجة للقول إن شعارات التطوير والتغيير أو استنساخ صور الآخرين دون قناعة لن يكون لها مآل غير الانهيار قبل البناء، والانتهاء قبل الابتداء!

في المؤسسات لا يمكن للتغيير أن ينجح قبل أن يتقبله العاملون فيها، فكل التغييرات «الحقيقية» كان أساس نجاحها العامل البشري. وليس من المبالغة أبدا القول بأن أكثر ما تعاني منه الإدارات فيما يخص التغيير هو مقاومته من قبل منسوبيها، فهل يصمد تغيير يحاربه الذين يفترض أن يكونوا سبب بقائه ونجاحه؟ السر في القناعات بالتغيير مرة أخرى. ولعل الحكمة هنا تقتضي أن يكون التغيير المؤسسي مسبوقا بالتركيز على توجهات الأفراد وقناعاتهم.

لماذا تفشل رحلة التغيير؟

قد تفشل عمليات التغيير بسبب ارتكاب بعض الأخطاء المدمرة من قبل المديرين أحيانا، مثل عدم خلق شعور عميق لدى الأفراد بضرورة التغيير، أو عدم التخطيط بشكل منهجي وتوضيح الرؤية الجديدة لهم، أو الإصرار على متابعة التغيير مع وجود كمية المعوقات القديمة التي تواجه الأهداف الجديدة، أو عدم تثبيت ثقافة التغيير في المؤسسة، أو لأسباب أخرى تنظيمية وبشرية لا تنحصر هنا ولو حاولنا!لكن الجدير بالذكر والتأكيد هنا أن التغيير يُقاد ولا يُدار، وقد يستطيع القائد أن يقود الحصان إلى الماء لكنه لا يستطيع أن يجبره على الشرب! كيف يقنعه؟! أظن أنه أولا وقبل أي محاولة يجب أن يتأكد من رغبة الحصان بالحياة وقدرته على الفوز. وقد نتفق هنا ألا أحد يستطيع أن يشارك أو يتفاعل في رحلة لا يعرف وجهتها ولا غايتها ولا شكل مستقبلها، لا الحصان ولا الإنسان.

@darifi_