طلال الشريف

الحوار الوطني وهارفارد

الاحد - 12 يوليو 2020

Sun - 12 Jul 2020

استغرب كثير من الأكاديميين والمتخصصين إعلان مركز الحوار الوطني عبر حسابه الرسمي عن إجراء دراسة استطلاعية لآراء المجتمع السعودي حول تأثيرات جائحة كورونا المستجد، بالتعاون مع جامعة هارفارد الأمريكية، وهو حق مشروع لاستيضاح الأسباب التي دفعت المركز للقيام بدراسة استطلاعية بسيطة مع أعرق الجامعات العالمية، فضلا عن إجراء كثير من الباحثين في الجامعات السعودية دراسات بحثية مماثلة وليست استطلاعية فحسب خلال الأشهر الماضية، ليرد الأمين العام للمركز في تغريدة مقتضبة نصها «هناك تعاون بين المركز وبعض الجامعات العالمية للاستفادة من خبراتها في بعض المجالات كتحكيم أدوات البحث العلمي والمقاييس وعمل المؤشرات العلمية»، وأضاف أن هناك فريقا علميا من جامعات المملكة المختلفة يشرف على تصميم البحوث وأدواتها.

ومن باب الحكم العادل فتحت رابط الاستبانة الالكتروني وأجبت على عبارتها استجابة للأمانة العلمية ودعما لجهود المركز، وقد نصت في مقدمتها على أنها «استبانة لبحث تقوم به إدارة الدراسات والأبحاث في مركز الحوار الوطني لغرض فهم أكثر لآراء الناس في المملكة، وستستخدم المعلومات للإضاءة على أوضاع العائلات في المملكة لصانعي السياسة العامة»، وهذا يعني أنها ليست دراسة استطلاعية وفق المفهوم العلمي لها، وإنما استبانة لبحث تقوم به إدارة الدراسات والأبحاث في المركز، في غياب حقيقي للشفافية التي يجب أن يتسم بها المركز في إعلانه عن دراساته ونشاطاته العلمية على وجه الخصوص، وكجزء من رسالته المدونة على موقعه الرسمي.

ومن الصعب في ثنايا هذا المقال كتابة النقد التفصيلي لهذه الاستبانة المتواضعة جدا، وأبرز الملاحظات العامة عليها ضعف تصميمها وبنائها العلمي، وغياب تصنيف آثار الجائحة في محاورها، وعدم ترابط وتسلسل محاورها، واستخدام مقاييس متدرجة ومختلفة في المحور الواحد وما يترتب عليه من صعوبات في تحليل وتفسير النتائج، والتركيبات المعقدة لبعض العبارات، وركاكة صياغة عبارتها وسلامتها اللغوية، ووجود بعض العبارات الشخصية المحرجة للمستجيب، واختيار نمط الاستبيان المغلق فقط، مما يحد من قياس الآثار بشكل جيد، وغيرها كثير.

كل هذا لا يعني أننا ضد التعاون مع الجامعات العريقة في العالم، بل نحن مع ذلك النوع من التعاون، شريطة أن يكون في مجالات عميقة وكبيرة تخدم تحقيق غايات وأهداف المركز النهائية والمصالح الوطنية، وليس لإجراء دراسات استطلاعية يستطيع تنفيذها طلاب الدراسات العليا وحتى البكالوريوس. وتساؤلاتي للقائمين على المركز: لماذا لم تجر الاستعانة بالجامعات السعودية الشريكة أو مراكز الأبحاث الوطنية الأهلية لإجراء مثل هذه الدراسات الاستطلاعية البسيطة؟ لماذا لم يُشر إلى الفريق العلمي السعودي الذي أشار إليه الأمين العام في تغريدته؟ لماذا أجريت هذه الدراسة من قبل إدارة الدراسات والبحوث في ظل وجود المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام التابع للهيكل التنظيمي للمركز؟ لماذا غابت الدقة والشفافية في الإعلان عن غرض الدراسة؟ أين المركز من نتائج الدراسات الوطنية الخاصة بآثار كورونا المستجد؟ أين المركز من توظيف نتائج الدراسات الوطنية في الجامعات حول الحوار الوطني؟

إننا لا نشكك في نوايا مركز الحوار الوطني ومصداقيته، ومن باب الإنصاف فإن جهوده تذكر فتشكر في ترسيخ ونشر ثقافة الحوار ومناقشة قضايانا الوطنية، وآمالنا وطموحاتنا كبيرة في أن يتسع نشاط المركز ووجوده الميداني، خاصة في مؤسسات التعليم العام والجامعي، ومن حقه علينا تقديم النقد الموضوعي حول سياساته وإجراءاته ونشاطاته بما يمكنه من تطوير ممارساته وتفعيل وتعميق شراكاته الوطنية، خاصة مع الجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات الاستشارية الوطنية.

drAlshreefTalal@