عبدالله العولقي

لبنان ومفارقات التاريخ

السبت - 11 يوليو 2020

Sat - 11 Jul 2020

المفارقات الموجودة في لبنان قد لا نجدها في أي دولة في العالم، وقد لا يدرك الجيل الحالي أن لبنان في حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي كان أشبه بالقطعة الأوروبية في المنطقة، فكان يلقب بسويسرا العرب، وكانت العاصمة بيروت حينها كعبة الزوار والسياح من أغلب دول العالم، وأطلق عليها هي الأخرى مسمى باريس الشرق، والمفارقة اليوم تتجلى في أن السياح في الشرق والغرب أضحوا يهربون من لبنان، فتردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية جعل الزائرين يحولون بوصلتهم السياحية تجاه دول شرق آسيا خلال العشر السنوات الأخيرة، لأن لبنان لم يعد باختصار سويسرا العرب!

ثانية المفارقات اللبنانية تتجلى في طبيعة الشخصية اللبنانية التي طالما اتسمت بالذكاء الحاد والعبقرية الساحرة حتى استطاع اللبنانيون أن يصلوا إلى مراكز الحكم والقيادة في دول أمريكا الجنوبية، فكارلوس فلوريس كان رئيسا للهندوراس، وسيزار طربيه كان رئيسا لكولومبيا، إضافة إلى عبدالله بوكرم وجميل معوض وثيودور سالم الذين وصلوا إلى سدة الرئاسة في الإكوادور! وطبيعة المفارقة التي أعنيها أن هذه العقلية الذكية والذهنية المبدعة لو قدر لها أن تواجه مشاكل لبنان السياسية والاقتصادية نفسها في الخارج لتمكنت من إيجاد الحلول الناجعة وإنهاء الأزمات المستعصية، بينما تظل ذات العقلية عاجزة تماما داخل حدود وطنها!

المفارقة الثالثة تتعلق أيضا بطبيعة الإنسان اللبناني الذي طالما عرف بعشقه وإقباله على مبهجات الحياة حتى أصبحت الشخصية اللبنانية مضرب المثل بين العرب في ولعها واهتمامها بذاتها، ولكننا نفاجأ هذه الأيام بالمفارقة الصادمة حول هذه الفطرة اللبنانية، فحوادث الأخبار تعج هذه الأيام بكثرة حالات الانتحار بين الشباب اللبناني، ولعل القارئ الكريم سمع عن قصة الشاب المنتحر الذي كتب على صدره عبارة: لست كافرا ولكن الجوع هو الكافر، فقصة هذا الشاب قد هزت أركان المجتمع اللبناني لما فيها من المفارقة الصارخة عن طبيعة وفطرة الشخصية اللبنانية.

وأخيرا، الأمور الاقتصادية والمالية تتعقد في لبنان بصورة تكاد تجعلها أقرب إلى استحالة الحلول، فالليرة الوطنية تتهاوى أكثر من 200% من قيمتها الفعلية، والشركات الأجنبية تقفل أبوابها وتغادر بيروت لأنها عاجزة عن تسلم وتحويل أموالها في البنوك المحلية نظرا لندرة السيولة، أما اللبنانيون أنفسهم فيعانون من فقدان القدرة الشرائية واتساع دائرة الطبقة الفقيرة، إضافة إلى تفاقم البطالة وتزايد معدلات هجرة الشباب إلى الخارج.

أما بالنسبة لدعوة حسن نصر الله للبنانيين بالقيام بنهضة زراعية وصناعية لمواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان فتظل مجرد صخب إعلامي ودعائي لإبعاد التهم عن حزبه المتورط في كل قضايا لبنان السياسية والاقتصادية، ولعل جرائمه اليومية حول تبييض وتهريب الأموال المشبوهة تكفي لإدانة وتورط هذا المجرم الإرهابي.

@albakry1814