شبيحة الانترنت وأشباحها
الأحد - 03 يوليو 2016
Sun - 03 Jul 2016
المتابع للأخبار يرى أنه لا يكاد يمر يوم دون أن يأتي فيه الحديث عن دونالد ترامب أو انفصال بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. على الرغم من الجذور السياسية لهاتين الظاهرتين إلا أني أود الحديث عن الجانب الآخر منهما ألا وهو تطبيع خطاب الكراهية والعنصرية عبر الانترنت.
المتابع لحساب ترامب أو حسابات مؤيديه الاجتماعية أو لحسابات مؤيدي الانفصال يلحظ أن الفئتين لا تختلفان كثيرا عن بعضهما من ناحية الخلفية العرقية والتعليمية. فكلا الظاهرتين تقف وراءها شريحة عريضة من البيض الذين في غالبيتهم لم ينالوا حظا كبيرا من التعليم أو التمثيل الرسمي كذلك، حيث ظلت قوى كامنة تنتظر اللحظة المناسبة التي تظهر فيها شخصية كوميدية مثل ترامب أو مناسبة كتصويت الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لتتحد خلفها.
الاختلافات بين المثالين كثيرة ولكل مثال خصوصياته ولكن التشابه بينهما مذهل كذلك. قبل عام فقط، كان جميع ما يسمى بالنخب الأمريكية الأكاديمية والإعلامية والسياسية تسخر من دونالد ترامب ولا تراه إلا كوميديا سينتهي عما قريب ولكن ها نحن اليوم أمام ترامب مرشحا وحيدا للحزب الجمهوري بعد أن سحق كل منافسيه. تصويت الانفصال لم ينل كذلك حظه من الاعتبار من قبل تلك النخب ذاتها، وما النكسة الاقتصادية التي شهدتها الأسواق العالمية إلا تعبير عن عمق الدهشة والمفاجأة من هذا الواقع الجديد الذي فرضته أغلبية الناخبين. فوجئت «النخب» جميعا.
هناك الكثير من التحليلات المطولة والمعمقة التي تتناول صعود هذه القوى إلى السطح، لكن ما أود التركيز عليه هو دور الشبكات الاجتماعية في تطبيع خطاب الكراهية الذي تتمتع به هذه التيارات. حيث لم يوفروا فرصة للتعبير فيها عن كراهيتهم وحقدهم بالأعراق والديانات الأخرى إلا واستغلوها سبا وشتما بأقذع الألفاظ. ولا يخفى علينا ما نراه اليوم من تعليقات شديدة الأذى والموغلة في العنصرية سواء على الأخبار أو المقاطع اليوتيوبية ذات العلاقة.
نشرت الجارديان قبل فترة تقريرا عما أسمته بـ «الوجه المظلم لتعليقات الانترنت» حيث تم تحليل ما يزيد على سبعين مليون تعليق في موقع الصحيفة. ثمانية من أعلى عشرة كُتاب تلقوا السب والشتم والتعليقات اللاذعة كانوا من النساء، ونصفهم من السود. لغة الوقاحة تكاد تغطي كل جوانب الانترنت الاجتماعي اليوم من يوتيوب إلى فيس بوك إلى تويتر إلى ما سواها.
هناك جانب آخر من كل هذا النقاش تعبر عنه المقولة السائدة بأننا نشهد اليوم صراعا بين المتن والهامش، أو متن المقالة وركن التعليقات، تعبيرا عن الصراع بين رؤى النخبة المجتمعية «أعلى 1 %» والرؤى الشعبوية. هؤلاء الذين يملؤون الهاشتاقات بالسب والشتم ليسوا كائنات هلامية لا وجود لها بل أناس مثلي ومثلك وجدوا في الانترنت ملاذا آمنا لبث ما لا يستطيعون قوله في حياتهم الواقعية.
في نهاية الأمر هم ليسوا سوى نتاج لثقافة المجتمع وتربيته بماركة مسجلة «صنع في السعودية». فحين يخرج الممثل فهد البتيري مع زوجته السيدة لجين الهذلول في لقاء تلفزيوني تجد في الشبكات الاجتماعية كل أشكال السب والشتم والكلام القبيح والسخرية المريرة والتي لا يمكن أن ترى مثيلا لها حتى أمام أشد الخلق عداوة لهذه الفئات وفكرها.
وحين يخرج نكرة ما يتحرش علنا وبكل الإشارات وقاحة -وبالفيديو- بأطفال صغار تجد حملات التبرير والدعم لمثل هذه الممارسات. قد لا نعرف بالضبط من يشارك فيها لكننا لن نخطئ في التخمين إن زعمنا أنهم غالبية عظمى من صغار السن. لقد أصبحت الانترنت بيئة خصبة لتطبيع الدناءة والبذاءة الأخلاقية في الأجيال اللاحقة بعيدا عما تعتقده داخل أبراجك العاجية... وللحديث بقية.
[email protected]
المتابع لحساب ترامب أو حسابات مؤيديه الاجتماعية أو لحسابات مؤيدي الانفصال يلحظ أن الفئتين لا تختلفان كثيرا عن بعضهما من ناحية الخلفية العرقية والتعليمية. فكلا الظاهرتين تقف وراءها شريحة عريضة من البيض الذين في غالبيتهم لم ينالوا حظا كبيرا من التعليم أو التمثيل الرسمي كذلك، حيث ظلت قوى كامنة تنتظر اللحظة المناسبة التي تظهر فيها شخصية كوميدية مثل ترامب أو مناسبة كتصويت الانفصال عن الاتحاد الأوروبي لتتحد خلفها.
الاختلافات بين المثالين كثيرة ولكل مثال خصوصياته ولكن التشابه بينهما مذهل كذلك. قبل عام فقط، كان جميع ما يسمى بالنخب الأمريكية الأكاديمية والإعلامية والسياسية تسخر من دونالد ترامب ولا تراه إلا كوميديا سينتهي عما قريب ولكن ها نحن اليوم أمام ترامب مرشحا وحيدا للحزب الجمهوري بعد أن سحق كل منافسيه. تصويت الانفصال لم ينل كذلك حظه من الاعتبار من قبل تلك النخب ذاتها، وما النكسة الاقتصادية التي شهدتها الأسواق العالمية إلا تعبير عن عمق الدهشة والمفاجأة من هذا الواقع الجديد الذي فرضته أغلبية الناخبين. فوجئت «النخب» جميعا.
هناك الكثير من التحليلات المطولة والمعمقة التي تتناول صعود هذه القوى إلى السطح، لكن ما أود التركيز عليه هو دور الشبكات الاجتماعية في تطبيع خطاب الكراهية الذي تتمتع به هذه التيارات. حيث لم يوفروا فرصة للتعبير فيها عن كراهيتهم وحقدهم بالأعراق والديانات الأخرى إلا واستغلوها سبا وشتما بأقذع الألفاظ. ولا يخفى علينا ما نراه اليوم من تعليقات شديدة الأذى والموغلة في العنصرية سواء على الأخبار أو المقاطع اليوتيوبية ذات العلاقة.
نشرت الجارديان قبل فترة تقريرا عما أسمته بـ «الوجه المظلم لتعليقات الانترنت» حيث تم تحليل ما يزيد على سبعين مليون تعليق في موقع الصحيفة. ثمانية من أعلى عشرة كُتاب تلقوا السب والشتم والتعليقات اللاذعة كانوا من النساء، ونصفهم من السود. لغة الوقاحة تكاد تغطي كل جوانب الانترنت الاجتماعي اليوم من يوتيوب إلى فيس بوك إلى تويتر إلى ما سواها.
هناك جانب آخر من كل هذا النقاش تعبر عنه المقولة السائدة بأننا نشهد اليوم صراعا بين المتن والهامش، أو متن المقالة وركن التعليقات، تعبيرا عن الصراع بين رؤى النخبة المجتمعية «أعلى 1 %» والرؤى الشعبوية. هؤلاء الذين يملؤون الهاشتاقات بالسب والشتم ليسوا كائنات هلامية لا وجود لها بل أناس مثلي ومثلك وجدوا في الانترنت ملاذا آمنا لبث ما لا يستطيعون قوله في حياتهم الواقعية.
في نهاية الأمر هم ليسوا سوى نتاج لثقافة المجتمع وتربيته بماركة مسجلة «صنع في السعودية». فحين يخرج الممثل فهد البتيري مع زوجته السيدة لجين الهذلول في لقاء تلفزيوني تجد في الشبكات الاجتماعية كل أشكال السب والشتم والكلام القبيح والسخرية المريرة والتي لا يمكن أن ترى مثيلا لها حتى أمام أشد الخلق عداوة لهذه الفئات وفكرها.
وحين يخرج نكرة ما يتحرش علنا وبكل الإشارات وقاحة -وبالفيديو- بأطفال صغار تجد حملات التبرير والدعم لمثل هذه الممارسات. قد لا نعرف بالضبط من يشارك فيها لكننا لن نخطئ في التخمين إن زعمنا أنهم غالبية عظمى من صغار السن. لقد أصبحت الانترنت بيئة خصبة لتطبيع الدناءة والبذاءة الأخلاقية في الأجيال اللاحقة بعيدا عما تعتقده داخل أبراجك العاجية... وللحديث بقية.
[email protected]