فاطمة جعفر آل هليل

لعبة الذاكرة والانترنت

الأربعاء - 08 يوليو 2020

Wed - 08 Jul 2020

من أسوأ اللحظات التي تمر على كل واحد منا عندما يلتقي بصديق قديم وتخونه ذاكرته في تذكر اسمه، وفي بعض الأحيان نحاول تذكر معلومة ونعجز عن ذلك أو نحاول تذكر رقم معين بعد كتابته فلا تسعفنا ذاكرتنا حينها، لا يمكننا إنكار أننا كثيرا ما نمر بلحظات نتعرض فيها لأذى ضعف ذاكرتنا وخيانة ذهننا لنا، مع أن قدراتنا العقلية كانت في السابق أقوى فقد كنت تستطيع حفظ الشعر وحفظ الأرقام الطويلة بعد دقائق من ترديدها، فما السر وراء ذلك؟

الذاكرة غريبة جدا لدرجة أنها تصور لك بعض الذكريات القديمة جدا وكأنها حدثت بالأمس القريب رغم مرور سنوات طويلة عليها، وفي بعض الأحيان نفشل في تذكر أحداث يومنا السابق، أسئلة كثيرة جدا تدور حول الذاكرة والنسيان، خاصة أن ضعف الذاكرة قد يؤدي إلى أخطاء كبيرة جدا قد تكون مميته في بعض الحالات.

يعتقد بعض العلماء مثل «nicholas te» مؤلف كتاب السطحيون (ما الذي يفعله الانترنت بعقولنا؟) - Shallows: What the Internet Is Doing to Our Brains- بوجود تأثيرات سلبية للتقنية الحديثة على الذاكرة، وهذا خلاف المفترض، فالمفترض أن التقنية الحديثة تعمل على تقوية عقولنا وذاكرتنا وتسهل علينا عملية حفظ واسترجاع المعلومات لا العكس، فترى انعكاس أثر استخدام الانترنت بشكل مفرط على البعض فتراه كثير النسيان مشتت الذهن أو منعزلا عن العالم الخارجي، قليل الحديث مع الناس، مما يؤدي مع مرور الزمن إلى ضعف الذاكرة وقلة كفاءتها.

وقد وصل العلماء لعدد من الأسباب التي تؤدي إلى التأثير السلبي للتكنولوجيا على عقولنا وذاكرتنا منها:

أولا: كثرة المعلومات التي يتلقاها الإنسان عبر الانترنت، مما يصعب على ذاكرتنا الاحتفاظ بها، وهذا ما يعرف بمبدأ إعياء المعلومات «information Fatigue «، الناس اليوم تتلقى كثيرا من المعلومات من عدد كبير من المصادر المختلفة، وهذا يسبب ضعفا كبيرا في الذاكرة، فالذاكرة تحتفظ فقط بما تحب وتركز عليه لفترة طويلة نوعا ما، فتنتقل هذه المعلومات إلى الذاكرة طويلة الأجل دون اختيار منا، وقد ذهب بعض العلماء لرأي كسل الذهن، حيث إن الذهن يتكاسل عن الاحتفاظ بالمعلومات لسهولة الحصول عليها من الانترنت أو بأي طريقة أخرى، لذلك يتخلى الذهن عن محاولة حفظ المعلومات وتخزينها، فيتحول الانترنت لما يشبه الذاكرة طويلة المدى للأجيال الجديدة.

ثانيا: تشتت الانتباه الدائم، وهو إحدى علل وأمراض العصر الحديث، فعندما يحاول الإنسان الحصول على معلومة معينة تجري مقاطعته باستمرار من عدد كبير من المشتتات، فتمسك هاتفك النقال لترى شيئا معينا فترى نفسك تبحر بين التطبيقات وقد تفاجأ بعد مضي وقت بأنك لم تقم بالفعل الذي أمسكت هاتفك من أجله، تبدأ بالمذاكرة فتفاجأ برسالة على واتس اب فينقطع تركيزك وتتشتت أفكارك ويصعب عليك تذكر ما كنت تعمل على مذاكرته، كثرة الوقوع في التشتيت المعلوماتي تؤدي إلى حفظ المعلومات في الذاكرة بشكل مقطع، مما يصعب استرجاعها كونها لم تدخل للعقل بطريقة صحيحة.

هل هذا الكلام يعني أن ضعف الذاكرة يعتبر أمرا نهائيا ولا يمكن لأي إنسان أن يرجع عنه ويحسن ذاكرته من جديد؟ بالطبع لا، فالذاكرة شبيهة بعضلات الإنسان يمكن تدريبها وتقويتها كذلك، وعبر أخذ عدد من الطرق التي تساهم بتقوية الذاكرة من قبيل:

  • 1 إعطاء العقل الراحة الكافية وساعات نوم كافية، وتذكر أن رصيد نومك وراحتك إن ضاع لن تتمكن من استرجاعه أبدا.

  • 2 ممارسة الرياضة بشكل مستمر فالعقل السليم في الجسم السليم.

  • 3 نوّع صداقاتك واضحك ورفه عن نفسك واختلط مع مجتمعك، وابتعد عن الضغوطات النفسية فقد أثبت العلماء قوة تأثيرها على الذاكرة، مخالطتك الناس تعني اكتساب تجارب قوية.

  • 4 غذاؤك يعكس صحة جسدك وصحة جسدك تعمل على تقوية ذاكرتك.

  • 5 المعلومات اليوم باتت أكثر تعقيدا، فسهل على دماغك تقبل المعلومات وأنجز أول خطوة من خطوات الاحتفاظ بالمعلومات، قم بترميز المعلومات ليسهل على الدماغ حفظ المعلومة، ومن وسائل ذلك استخدام الخرائط الذهنية والرسوم البيانية والإحصاءات المنوعة، فمعلومات عصرنا كثيرة تحتاج لطرق عصرية للاحتفاظ بها.

  • 6 نظم نفسك وحياتك ومهماتك وواجباتك، فالفوضى تنهك العقل والذهن، ارسم خططا مناسبة ليومك وأسبوعك وشهرك وسنتك، سر على بينة واعرف هدفك في الحياة.


لا يمكننا اليوم الاستغناء عن كل خدمات الانترنت التي يقدمها لنا مقابل المحافظة على ذاكراتنا قوية، الأمر يتطلب التعامل بهذه الخدمات العصرية والأخذ بحلول عصرية لتقوية الذاكرة والحفاظ عليها من التأثير السلبي المحتمل الوقوع به، فكثير من الأشياء في العالم تملك جانبا مظلما أسود لا يمكن إنكاره، بل لا بد من التعايش معه بطريقة تحمينا من الوقوع بأذاه.

@DayTechnique