علي المطوع

هكذا تنصف الكوادر الصحية

الاحد - 05 يوليو 2020

Sun - 05 Jul 2020

الكادر الصحي وحقوقه كان موضوعا ساخنا طرحه الطبيب والكاتب حمود أبوطالب في صحيفة عكاظ، نال هذا الطرح قدرا كبيرا من المتابعة من المجتمع، خاصة الممارسين الصحيين، وموافقة أكبر من الأطباء الذين رأوا في المقال وكاتبه وشواهده شيئا يمثلهم ويصادق على معاناتهم المالية الدائمة التي كانت وما زالت متنا وهامشا لشكاواهم المستمرة.

لا اعتراض على ما طرحه أبوطالب في ذلك المقال الذي حاول من خلاله أن يكون على مسافة واحدة من جميع الممارسين الصحيين، لكن التخصصية وربما المعاناة الجمعية وقبلها التجربة الشخصية جعلت الطرح ينحاز إلى الأطباء متنا وهامشا.

إن الواقع المعاش في أروقة المرافق الصحية على اختلاف مرجعياتها يشهد بأن كثيرا من الامتيازات في سلم رواتب هذا الكادر قد فُصلت على مقاس الأطباء، وهذا جعلها تنحاز ماديا إليهم كونهم الأعلى كعبا والأكثر نفيرا عند الحديث عن قضاياهم الجمعية الأدبية والمادية على السواء.

شخصيا أرى في ذلك كثيرا من المنطقية، خاصة عندما نعلم أن الطبيب - في التخصصات الحرجة والنادرة - يظل الأكثر تأهيلا وعلما وعملا، هو حجر الزاوية للممارسة الصحية، وهذا يقتضي مراعاته وتمييزه عن الآخرين.

ومع ذلك يحب أن لا نغفل الكوادر الصحية الأخرى وحقوقها، والتي تعد بمجموعها الطيف الأكثر عددا وتأثيرا، لتعدد مهامها وتخصصاتها، هذه التعددية في النوع والكم تتيح لصانع القرار إعادة النظر في مخصصاتهم المادية ومراجعتها، هده المراجعة ينبغي أن تكون مبنية على أمرين: التأهيل المسبق والإنتاجية اللاحقة، حيث إن تعميم مثل هذه الزيادات على الجميع سيحبط المتميزين وسيجعلهم أسرى لأعراف وظيفية خاطئة ما زالت ترى في المبادرة الإيجابية لقافة، وفي التحسين والتجويد ضررا يؤذي الزملاء الآخرين الذين تعودوا على الحضور السلبي الذي يضمن لهم راتبا آخر الشهر وسلامة من تبعات الاجتهاد والمثابرة.

الكادر التمريضي هو الخط الأول الذي ينبغي إعادة النظر في مخصصاته المالية كونه يلامس المريض مباشرة، يدا بيد مع الطبيب المعالج، وفوق هذا الممرضون هم الساهرون على خدمته وتلبية احتياجاته الطبية وقبلها الإنسانية.

الشيء المؤسف أن البعض من هذه الفئة وتحت ذريعة الخلاص من عناء التمريض وقلة مميزاته، يتجه إلى أعمال إدارية صرفة، ومن صورها أن تكلف ممرضة في ربيع عمرها الوظيفي وخبرتها المهنية الجيدة لتكون مسؤولة عن خدمات اجتماعية بعيدة عن مهامها الأصلية، وآخر يهرب من تخصصه وقسمه الطبي ليمارس عملا تنسيقيا يمكن لأي موظف بسيط محدود التأهيل والخبرة القيام به، ومع تزايد وارتفاع هذه الوتيرة من الأخطاء يزداد العجز في الأقسام الحرجة وفي العيادات الطبية، وتصير الأمور إلى حالات من الهدر المادي والبشري، كون هؤلاء قد هيئوا لأعمال فنية عالية المستوى ثم وبفلسفة إدارية خاطئة يُهرّبون إلى بيئات عملية لا تناسب تعليمهم ولا تأهيلهم ولا وصفهم الوظيفي.

شخصيا أحترم كثيرا كل مسؤول يعيد مثل هؤلاء إلى مجالاتهم وتخصصاتهم الأصلية، وأراه الأكثر جدارة بالاستمرار والأوفر حظا بالتقدير والاحترام عند المواطن والمسؤول، كونه يراعي خصوصية العملية الصحية وما تتطلبه من انضباط وسيرورة صحيحة للسياسات والإجراءات.

وهذا الأمر ينطبق على الفئات الصحية الأخرى التي ينبغي لصاحب القرار دعمها وزيادة الجرعات التدريبية لها والمفاضلة بينها في المميزات المالية والأدبية، بناء على الكفاءة والإنتاجية ودعم المتميز والأخذ بيد من يحتاج مساعدة ليستقيم عمله وليزيد من إنتاجية المرفق الذي ينتمي إليه.

وأخيرا يحب أن نتذكر ونذكر أن الأطباء هم الأكثر حظوة في المرافق الصحية، وهذا ما ينبغي أن يكون ويظل، وفي المقابل يجب أن لا ننسى أن الفئات الصحية الأخرى تحتاج إلى الدعم نفسه، وقبل ذلك الشكر والتقدير كونهم فئات مهمة تستحق الاحترام والتبجيل، وهنا ينبغي لصاحب القرار عدم إغفال الجانب الأدبي وما يجب أن يحظى به الممارس الصحي من احترام وتقدير داخل بيئته العملية، وأن تكون سنوات خبراته التراكمية الطويلة وما مضى من تجليات إبداعية وإنتاجية له في مرفقه عونا له على البقاء في دائرة نظر وتقدير صاحب القرار، كون هذا الممارس صاحب خبرة ينبغي الاستفادة منها ومن تجاربه لا أن يهمش ويعامل معاملة المستجد البسيط في خبرته والقليل في إنتاجيته، وأن لا يؤخذ بوشاية ناقم أو تافه لا قدر له ولا قيمة بمقاييس العمل والإنتاجية.

القطاع الصحي قطاع خدمي ومتنوع وشديد التباين على مستوى منسوبيه وخدماته، وهذا يقتضي تأهيل قيادات إدارية فاعلة مميزة فريدة تجيد التعامل مع هذا التنوع وتستثمره وتعيد تشكيله في صور إبداعية تضمن للجميع دورا في رسم هذه الصورة وتقديمها في أكمل صورة إلى المريض الذي يظل المستهدف الجدير والأخير بالخدمة والرضى والتميز.

alaseery2@