نمر السحيمي

الجامعة الإسلامية وحفيد أهل التوحيد

السبت - 04 يوليو 2020

Sat - 04 Jul 2020

الدين الإسلامي الذي أُسّست عليه بلادنا هو (عقيدة الأنبياء عليهم السلام وشريعة خاتمهم صلى الله عليه وسلم. وتنطلق من هذين الأصلين الأخلاق والمعاملات). تلك هي مهمة كل مؤسسات الدولة بالمملكة التي تطبق سياستها الدعوية، ومن تلك المؤسسات مؤسسة التعليم.

ولخدمة عقيدة الأنبياء وشريعة خاتمهم وما يتفرع منهما من أخلاق ومعاملات، أنشأت الدولة الجامعات التي تُعنى بالدين الإسلامي الحنيف لتُعلّمه لأبناء الوطن والمسلمين لتطبيقه في واقع حياتهم ثم نشره في العالم بكل وسيلة وأسلوب على بيّنة وبصيرة.

وفي سبيل ثبات هذا النهج تأسّست الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة بموجب المرسوم الصادر من الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود في 25 ربيع الأول 1381هـ الموافق 6 سبتمبر 1962م الذي ينص على إنشاء جامعة تختص بالعلوم الشرعية والدينية بالمدينة المنورة سميت الجامعة الإسلامية.

وعبر العقود الماضية كانت الدولة تنظر لهذه الجامعة على أنها الجهة العلمية المنوط بها تعليم الدين الإسلامي بفهم السلف الصالح، فأغدقت عليها من ميزانيتها الآلاف من ملايين الريالات لترتقي هذه الجامعة عبر كل عقد يمضي تطورا متواصلا في كل المجالات.

وتمر المملكة عبر عهودها بمنحنيات وجوائح فكرية كانت تهدد الشباب المسلم في المجتمع الداخلي والخارجي، وكانت الجامعة الإسلامية من المؤسسات المعنية بالمواجهة، بدءا من مخرجاتها وانتهاء بتصحيح المفاهيم الخاطئة لمعتنقي الأفكار الشاذة عن المنهج الحق وحماية الشباب المسلم من التضليل المتعمّد الرامي إلى إسقاطهم في أودية سحيقة من الفتن.

فجاءت فتنة جهيمان بضلالة فكرية وانتشرت حتى تم القضاء عليها من قبل مؤسسات الدولة المكافحة للتطرف والإرهاب، ثم نشأت الحقبة المسماة بالصحوة التي يدعي المروجون لها أنها جاءت من الوعي بعد الغيبة أي الانتباه لمكائد الأعداء ومواجهتهم، وركب الملوثون بالفكر الحروري الخارجي هذه الموجة لتحريض الشباب وصرفهم عن مهمتهم الأصلية في خدمة دينهم ووطنهم وطاعة ولاة أمرهم، حتى ضل من ضل، وانتهى الأمر بوضع سلطات المملكة المعنية بمكافحة الإرهاب وجها لوجه أمام ظاهرة الإرهاب لاستئصالها.

هذه الأحداث على مدى 40 عاما مضت كان من الواجب أن تكون محركا لإصلاح الخلل من العمق بتقييم وبلورة وضبط التعليم، والتركيز على التعليم ليصنع مواطنا مسلما نقي العقيدة مطبقا للشريعة الخاتمة، ومنضبطا بمعاملاته وأخلاقه كما في عقيدة الإسلام وشريعته السمحة.

وإن أي انحراف عن هذا النهج الوسطي السهل الذي لا يدخله تعقيد ولا تزمت هو انحراف عن نهج السلف الصالح، فالمسلم الذي تعلم الدين الإسلامي من منبعه الصافي الأصيل وعرف ربه بالعقيدة الصحيحة وطبق دينه كما طبقه نبيه صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يكذب أو يسرق أو يتآمر أو يتنكب الجادة البيضاء النقية التي تحفظ له كرامته في الدنيا والآخرة.

وإن من كرامة المؤمن أن يعلم أن قيادة الأمة تكليف من الله جل وعلا لمن يريد من عباده، وحين تنعقد لهذا المُكلّف البيعة ويجتمع عليه الناس فيجب أن يكون المسلم لبنة صالحة من البناء الذي اختار الله له قيادته وأن يعتز أن يكون إحدى لبنات دولة تتخذ من الإسلام دينا وشريعة حياة.

وإن من الواجب على الجامعات المعنية بتعليم الدين الإسلامي ومنها الجامعة الإسلامية أن تكون منبرا تشاهد فيه سماحة الإسلام واضحة لكل عين ترى وأذن تسمع، ليلجأ إليها طالب العلم الباحث عن الحقيقة فلا يرى ويسمع فيها إلا الصدق والسماحة والعدل والصفاء قبل أن يشرع في دراسة مقرراتها ومحاضرات علمائها وأساتذتها.

لقد تطورت العلوم الإسلامية وأبهرت الدنيا لا من خلال مباني دور العلم وأشكال وهيئات علمائها وكتابها، بل يكمن سر ذلك في الإخلاص والصدق في الطلب وسلامة الصدور وفتح ميادين العلم لكل قاصد وراغب.

وبكل أمانة وتجرد، ما لم نعالج الخلل في تعليم علوم ديننا وفلترة القائمين عليه بضوابط علمية دقيقة لا بالمظاهر والأسماء والألقاب، فلا يمكن أن نتخلص من كثير من مشاكلنا. إن الدين الإسلامي وعلومه براء من تقديس الشخوص وتعطيل العقول والتزكية على الله لأي إنسان صنعته المحسوبيات، فكان وجوده في مؤسسات التعليم عالة على دينه ووطنه.

لقد سعدت أيما سعادة بالثقة الملكية الكريمة التي منحت للأمير الدكتور ممدوح بن سعود بن ثنيان وتعيينه رئيسا للجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ابتداء 11 ذي القعدة 1441هـ.

والأمير ممدوح الأستاذ المشارك يُعد من القيادات البارزة في المملكة، حيث بدأ عمله منذ عام 1997 في جامعة الملك سعود، وعمل أستاذا في قسم الهندسة الكهربائية بالجامعة، إضافة إلى منصب نائب مدير مركز التميز للبحوث في المواد الهندسية، ونائب العمادة للشؤون الإدارية والمالية لمعهد التصنيع المتقدم، ثم انتقل إلى جامعة شقراء فأشرف على وكالة الجامعة إلى أن صدرت الموافقة الملكية على تعيينه رئيسا للجامعة الإسلامية.

فمرحبا به وهو حفيد أهل التوحيد في صرح علمي بالغ الأهمية من صروح نشر التوحيد، وهو الصرح الذي أنشأته الدولة ليسهم في تعليم الدين الإسلامي الوسطي الحنيف لأبناء الوطن والأمة بوضوح التوحيد وصدق الشريعة وبتعليم شديد الصفاء وكأنه الإسلام يمشي على الأرض، هذا ما أرادته سياسة المملكة الدعوية للتعليم في بلادنا، وهذا ما أراده ملوكنا الكرام من تأسيس هذه الجامعة وكفى بها إن طبقت ذلك دعما وسندا لسياسة دعوية نُشر الإسلام من خلالها في كل أرجاء المعمورة دون تعقيد، واستقبلته نفوس البشر من كل الأديان بالحب والسلام.

alsuhaimi_ksa@