عبدالله محمد الشهراني

9 / 12 / 1417هـ يوم سعودي عظيم

الأربعاء - 01 يوليو 2020

Wed - 01 Jul 2020

حج عام 1417هـ لن أنساه أبدا، فقد أجهشت فيه بالبكاء مرتين، الأولى في الثامن من ذي الحجة بعد الظهر وأنا أستعد لبدء تصعيد حجاجنا الماليزيين إلى عرفة، حيث جرت العادة أن نذهب بالحجاج إلى عرفة مباشرة قبل يوم التاسع، نصل مساء ثم يتناول الجميع عشاءهم ويخلدون إلى الراحة استعدادا ليوم الوقفة.

أثناء محاولة معرفتي وقت التحرك ورقم الباص وعدد الحجاج الذين سوف أصطحبهم معي، لاحظت ارتباكا يسري بين الجميع، ثم بدأت أنصت معهم لصوت جهاز اللا سلكي، ثم أخذت أسأل ما الأمر؟، لا إجابة! بعد الإلحاح أخبرني أحد الشبان بأن «مشعر منى» قد احترق بالكامل.

أتذكر هذا الموقف وكأنه قد حدث الآن، عقلي مع الخبر وعيني التي تغمرها الدموع تراقب الحجيج في الجهة المقابلة وهم منهمكون في استعدادهم، صعدت معهم إلى الباص وإذا بالخبر قد انتشر والكل في بكاء على حج لن يكتمل، حينها ماذا كان عساي أن أفعل وأنا في سن السابعة عشرة إلا أن أجهش بالبكاء.

لقد اندلع حريق في مشعر منى، أتلف نحو 75% من إسكان الحجاج؛ خيام، شبكة الكهرباء، (ترامس الماء وسطول النفايات)، الفرش، المواد الغذائية الموجودة في مستودعات المخيم.. إلخ، كل شيء تقريبا قد دمّره الحريق. والآن، هل من الممكن أو المعقول تجهيز مشعر منى مجددا خلال 24 ساعة فقط؟ دعوني أشرح لكم كيف أن هذه المهمة معقدة جدا، بل ربما مستحيلة.

أولا: إن الـ 24 ساعة المتاحة هي يوم عرفة، معنى ذلك أن كل الأجهزة العاملة في الحج لا بد لها أن تنقسم ما بين عرفة ومنى «القطاعات العسكرية، وزارة الحج وبقية الوزارات، مؤسسات الطوافة، شركات المقاولات.. إلخ». ثانيا: هناك حاجة لتوفير 70 ألف خيمة، ومعظم هذه الكمية غير متوفر في منطقة مكة بشكل عام، لذا صدر القرار بجلب كل الخيام الموجود لدى الجيش ووزارة الداخلية وإنزالها بالطائرات. ثالثا: استحالة عودة الطاقة الكهربائية بسبب حرارة الأرض وكثرة المياه الراكدة التي أطفأت النيران، لكن وبقدر المستطاع تم إيصال الطاقة للاحتياجات الضرورية. رابعا: كيف ستوفر الأيدي العاملة لنصب تلك الخيام وإنجاز بقية المهام؟

لقد ارتدى الجميع في ذلك اليوم لون التفاؤل والخير (اللون الأخضر)، ولقد انصهرت وامتزجت كل الرتب والمناصب، فالجميع في الميدان يعمل، الضابط والطبيب والمطوف والجندي.. حتى التاجر نسي ماله، وأبطال الكشافة (صغار الأحجام كبار الهمم)، ضباط من كل القطاعات ينزلون خياما هنا ورجال بثيابهم العادية ينصبونها هناك، وطبيب يجمع بين توفير الدواء والطعام، يوم تحول فيه الرصيف مكتبا للوزير محمود سفر والفريق سعد التويجري، وأصبحت منى بكل فخر خلية نحل، منى التي أغدق عليها الملك وولي عهده والنائب الثاني ووزير الداخلية كل أشكال الدعم خلال تلك الـ 24 ساعة.

بدأت النفرة إلى مزدلفة ودخلنا إلى مشعر منى يوم العاشر من ذي الحجة، فكانت المفاجأة «منى جاهزة»، هنا ومن شدة الفرح أجهشت بالبكاء مرة ثانية، بكيت فخرا ببلدي وبأبناء بلدي، كيف لا وأنا أرى الاستغراب في أعين الحجيج والاندهاش من بعثات الحج.

مقترح لوزيري الحج والإعلام، إنجاز كهذا كنت أتمنى أن يوثق في عمل فني، فما تم خلال تلك الـ 24 ساعة لم يكن إلا معجزة، رحم الله من مات حينها (276 حاجا)، لكن منى كان فيها نصف مليون حاج وقت الحريق، ونحن نعلم - والعالم أجمع - كيف يكون إخماد الحريق أمرا في غاية الصعوبة في منطقة كل شيء فيها قابل للاشتعال.

وقد رأينا حريق أستراليا وغابات أمريكا ونوتردام في فرنسا وحرائق الغابات في تركيا.

حقيقة، لم أفاجأ عند عودة معمل أرامكو «بقيق» إلى وضعه الطبيعي بتلك السرعة، فنحن نملك شعورا عاليا بالمسؤولية، نصنع المعجزات بفضل الله ثم بفضل اتحادنا وتفانينا في خدمة الوطن.

@ALSHAHRANI_1400