سالم الكتبي

صمت دولي مريب تجاه ليبيا

السبت - 13 يونيو 2020

Sat - 13 Jun 2020

الحقيقة الواضحة للجميع أن تركيا فعلت في ليبيا مثلما فعلت إيران في دول عربية أخرى، وكلاهما يستخدم أدوات محلية عميلة، فطرابلس قد وقعت في الفخ التركي من خلال غطاء يسمى بحكومة السراج، التي لا شرعية وطنية لها من الناحية الفعلية.

الكارثة أن تركيا لم تدخل ليبيا لتحقيق أطماعها وأهدافها فحسب، بل جلبت معها حشودا ضخمة من أعضاء الميليشيات الإرهابية والمرتزقة الذين نقلتهم أمام أعين العالم أجمع من دون رقيب أو حسيب! وقد تباهى إردوغان بما تحقق في ترهونة وسعيه إلى احتلال سرت واستعادة أمجاد إمبراطورية طواها التاريخ في عصر يسعى العالم فيه إلى تصفية بقايا الجيوب الاستعمارية والتخلص منها كما تباهى ملالي إيران باحتلال عواصم أربع دول عربية وتبشير أنصارهم بقرب سقوط الخامسة!

أغرب ما في التطورات المتسارعة التي تشهدها الساحة الليبية هو هذا الصمت الدولي المريب الذي لا يمكن تفسيره في ضوء انشغال دول العالم كافة بمعالجة تداعيات تفشي وباء «كورونا»، فهناك حالة من التجاهل لما يحدث في ليبيا وكأنه خارج كوكب الأرض، من دون اكتراث بخطر انزلاق الأزمة إلى ما هو أسوأ وفتح أبواب ليبيا كمعبر لتدفقات اللاجئين للدول الأوروبية!

الواضح أن هناك ترددا وضعفا دوليا في التصدي لأطماع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان في ليبيا، والذي عاد بالعالم إلى حقبة استعمارية بغيضة يسعى العالم إلى تناسي آثارها الكارثية بشتى السبل.

لا أستطيع - كباحث ومحلل - القول بأن إردوغان يتحرك في سوريا وليبيا ضد إرادة القوى الكبرى جميعها، فتركيا ليست قوة عظمى قادرة على تحدي العالم بأسره، بل الأكثر منطقية لفهم هذا الوضع، هو أن هناك نوعا من التنسيق أو التفاهم على حدود معينة للتحرك التركي، الذي أعتقد أنه يلعب رأس الحربة لتنفيذ لعبة تتعلق بتقاسم المصالح والنفوذ وربما الأراضي والحدود وسيادة الدولتين العربيتين على أراضيهما.

البعض يرى أن هناك من يتلاعب بالسلطان التركي ويترك له الحبل على الغارب في ليبيا كي يصل إلى نقطة معينة تبدأ معها نقاشات التقاسم والتقسيم، وهذا وارد في السياسة بطبيعة الحال، ولكني أعتقد أن المسألة ليست تلاعبا، بل تفاهم على المصالح وتنسيق يجري وراء الكواليس حتى وإن بدا للعالم أن هناك خلافات وتوترات بين بعض القوى الكبرى وتركيا بسبب ليبيا.

والدليل على ما سبق أن حدود حركة تركيا وقواتها في سوريا مرسومة بدقة، ويتم إيقافها وردعها وقت اللزوم وعلى الفور، وتتلقى ضربات عسكرية موجعة في حال غامرت بتجاوز الخطوط الحمر المرسومة لها.

في اعتقادي أن العرب في مواجهة مأزق ليبيا يجب أن يتوقفوا تماما عن المراهنة على المجتمع الدولي، وكذلك وقف الرهانات على التحالفات القائمة مع الدول الكبرى، فاللحظة الراهنة في العلاقات الدولية تتسم بقدر هائل من السيولة والضبابية وغياب القيادة، جراء تراجع الدور الأمريكي عالميا بشكل كبير، مما دفع بقية الأطراف الكبرى لشغل الفراغ الاستراتيجي في مقعد القيادة، وانتزاع مساحات نفوذ جديدة تعزز المواقف بانتظار لحظة قادمة - لا محالة - لتقاسم المصالح والنفوذ الدولي في إطار معادلات وترتيبات جديدة للنظام العالمي في مرحلة ما بعد كورونا.

هل يعني هذا أن ينجرف العرب إلى مواجهة عسكرية مفتوحة مع السلطان التركي المتهور؟ الجواب هو لا بطبيعة الحال، فكل المعطيات لا تشير إلى أرجحية التدخل العربي عسكريا بشكل مباشر في ليبيا، بل إن هذا التدخل قد يكون هو المطلوب فعليا من جانب المتربصين والحاقدين لإتمام مؤامرتهم على الأمة العربية وإغراق قواها الرئيسية في مستنقع مليء بالمتطرفين والإرهابيين في ليبيا.

الحسابات الاستراتيجية تقول إن ميادين الصراع غير التقليدية التي يشكل الإرهابيون طرفا فيها تمثل معضلة للجيوش النظامية، وقد رأينا كيف واجه تحالفا دوليا من أكثر من 30 دولة صعوبات جمة في القضاء نهائيا على تنظيم «داعش» في سوريا واستغرق الأمر سنوات عدة لتحقيق هذا الهدف.

هذا لا يعني بالمقابل ترك ليبيا وشعبها والتخلي عنهما ليصبحا فريسة للسلطان المغامر، الذي انتقل من مرحلة الحرب بالوكالة إلى خوض مواجهة مباشرة بالجيش التركي على الأراضي الليبية، ولكن يجب دراسة البدائل والحلول الاستراتيجية المتاحة وتقديم دعم وإسناد عسكري قوي للجيش الوطني الليبي والتواصل مع قبائل هذا البلد العربي الذي عرف بمقاومته الباسلة للاستعمار بقيادة البطل التاريخي عمر المختار.

إردوغان يرى في الأمة العربية أمة مريضة يمكن تقاسم أراضيها وثرواتها مع قوى إقليمية ودولية أخرى، ولديه مشروع لا يقتصر على سوريا وليبيا فحسب، وعلينا أن نتذكر أن الاستعمار ليس له شكل واحد في عصرنا، ونفوذه وقاعدته وتحكمه بالقرار القطري خير مثال على ذلك، ومن ثم فإن العمل على وأد هذا الطموح غير المشروع بشتى الطرق أمر مشروع لإنقاذ ما تبقى من مستقبل للأجيال العربية المقبلة.

salemalketbiar@