عبدالله العولقي

الترويج الإعلامي للمشروع التركي

الثلاثاء - 09 يونيو 2020

Tue - 09 Jun 2020

بعد أحداث ليبيا وتونس الأخيرة، كثر الحديث في الإعلام العربي عن المشروع التركي في المنطقة العربية، وبعدها نشطت بعض وسائل الإعلام اليمني المحسوبة على الفكر الإخواني بالترويج الدعائي لأجندة أنقرة، إضافة إلى الحملات التسويقية على منصات التواصل الاجتماعي لإقناع فئات وشرائح المجتمع اليمني.

الكل يدرك اليوم أن التخلف الذي عاشه العرب في القرون الثلاثة الأخيرة مرده إلى الاحتلال العثماني، كون الأتراك تمنهجوا بعنصريتهم كعازل ثقافي بين العرب والحضارة الأوروبية، فحدثت فجوة ثقافية كبرى لا زلنا كعرب ندفع فاتورتها الباهظة حتى الآن.

ومن الجدير القول إن اليمنيين من أكثر شعوب المستعمرات التركية تضررا من الاحتلال العثماني، فبلاد العراق والشام ومصر بسبب جغرافيتهم القريبة نسبيا من النهضة الأوروبية قد نالتهم بعض نسمات التقدم الأوروبي حينها، بينما حرص الأتراك في صنعاء على عزل اليمن عن مواطن الحضارة - مستفيدين من وعورة التضاريس فيها - وهذا شيء متوافق عليه بين المؤرخين المعاصرين، ولهذا تحرص قناة الجزيرة على تزييف التاريخ وتصوير العهد العثماني كحاضنة طبيعية للأمة العربية.

عندما اخترع الألماني جوتنبيرغ الآلة الطابعة وبدأت تنتشر في أوروبا عام 1447، عدها البعض أهم اختراعات الإنسان البشري على الإطلاق، وقد استأثر بها الأتراك في إسطنبول حينها ومنعوها عن العرب، ولم تدخل الأقطار العربية إلا في عام 1798م عندما جلبها نابليون في حملته الفرنسية الشهيرة على مصر، بينما في اليمن حرص الأتراك على إثارة الفتنة الطائفية (ثنائية الشوافع والزيدية) أو التحريض القبلي (ثنائية حاشد وبكيل) في عمق المجتمع اليمني حتى يتسنى لهم التفرد بالحكم، وعلى ساحل تهامة حرص الأتراك على تصدير البن العربي إلى العالم (كان اليمن حينها الأول في إنتاج القهوة عالميا) بطريقة تسلطية قهرية على مقدرات الشعب اليمني، فالجيش التركي وحده من يصدر البن إلى موانئ أوروبا والعالم ثم يجير الإيرادات إلى خزانة إسطنبول!

من المعروف أيضا أن تركيا لا تنتج البن، وقد عرف الأتراك القهوة إبان احتلالهم لليمن في عهد سليمان القانوني في القرن الـ 14م، ولأن العقدة التاريخية تجاه العنصر العربي متأصلة في ثقافتهم، فقد سوقوها تجاريا باسم القهوة التركية، بل إنهم أعادوها إلى العرب أنفسهم في الشام ومصر بمسمى القهوة التركية، وهذا جزء يسير من مخازي التاريخ التركي في اليمن، ولهذا يبدو اليوم أن الأتراك متحمسون للسطو على مقدرات العرب من جديد.

أخيرا، يبدو أن السيد إردوغان يريد إعادة التاريخ، وإنقاذ ليرته المتهاوية واقتصاده المنهار عبر الاستيلاء على ثروات ومقدرات الدول العربية، وما تروجه قناة الجزيرة اليوم تسويق دعائي لمشروع تركيا في الذهنية العربية، يساندها الإعلام الإخواني الذي مع الأسف الشديد يحاول طمس حقائق التاريخ وإنكار جرائم الأتراك في حق الشعوب العربية.

albakry1814@