عماد عمر طيب

المال نعمة

الاحد - 07 يونيو 2020

Sun - 07 Jun 2020

هناك مقولات قديمة ظلت تتردد في مجتمعاتنا بتكرارها في كل مناسبة تستدعي ذكرها، حتى إنها ترسخت في أذهاننا، مكونة قواعد حياتية موجهة لتصرفاتنا وتعاطينا مع المجريات ذات العلاقة بهذه المقولات.

من هذه المقولات «الفلوس وسخ دنيا»، مقولة كنا ولا زلنا نسمعها منذ صغرنا حتى يومنا هذا، من قائل هذه الجملة وما هو مصدرها؟ لا شك أن قائلها خانه التعبير وأنه قصد أمرا آخر، لأن هذا القول يتعارض مع قول الله عز وجل «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا»، فمن أصدق كلاما، المولى الكريم أم كلام شخص لا نعرفه؟ ولو عرفناه وعرضنا عليه كثيرا من هذا الوسخ الذي ادعاه بالباطل لتلبسه وانغمس فيما يجلبه المال من ملذات ورغد عيش!

المال زينة، ونعم المال الصالح في يد الرجل الصالح، فبالمال نحقق الركن الثالث من أركان الإسلام وهو إيتاء الزكاة، وكذلك يتحقق بالمال الركن الخامس من أركان الإسلام ألا وهو حج بيت الله، والذي يشترط فيه «لمن استطاع إليه سبيلا».

وكلا الركنين يعتمد على توفر المال بشكل مباشر أو غير مباشر، إضافة إلى نعم كثيرة تتحقق بالمال، منها طلب العلم وبناء المساجد والزواج وتربية الأبناء جسديا من مأكل ومشرب وكسوة ومسكن، وهناك مناقب كثيرة للمال لا يتسع المقام لذكرها، لذلك يتوجب علينا جميعا تصحيح هذا المفهوم الخاطئ لدى البعض، واستبداله بالمفهوم الشرعي الصحيح، ألا وهو المال زينة ونعمة من نعم الله، يكرم بها خلقه ويكفيهم به عن الحاجة والسؤال وضنك العيش إذا أحسن استخدامه.

وهناك مقولة أخرى وهي «الرجال عيبه في جيبه»، والتي أرفضها تماما «فهناك من هو متخم الجيب ولكنه فقير أدب وأخلاق ودين، فهل انتفى عيب هذا الرجل بكثرة ماله؟ أبدا، فإن عيب الإنسان في قلة أدبه وعدم احترامه الآخرين، وقبل ذلك كله عدم التزامه بدينه.

المال ظلم معنا بهذه المقولات المغرضة ضده، فمرة نتهمه باطلا بأنه وسخ، ومرة أخرى نعتقد أن زيادته ونقصانه بالجيوب يمثلان ميزانا لشخصية الإنسان.

ولعل مثل هذه المقولات رغم انتشارها وترسخها لدى كثيرين، إلا أنها كما أرى كان المقصود بها أمرا مختلفا عما فهم منها، أو أنها قيلت في زمن وموقف بعينه، وواجبنا حيال هذه المقولات تمحيصها وتفسيرها بما يتفق مع الشرع والمنطق المقبول علميا واجتماعيا، والتعاطي مع المال بشكل متوازن، وأداء متزن دون ضرر أو ضرار، فلا يكون الحصول على المال هدف حياتنا، لأنه وسيلة وليس غاية، ولا نتهمه بأنه وسخ دنيا، ونرفض تواجده بيدنا وبيد الآخرين، فهو زينة والتعامل معه له آداب، أولها الشكر للاستدامة وللازدياد، وآخرها عدم الإسراف والتبذير، وأوسطها حفظ الحقوق لكيلا نخسر آخرتنا.

المال جسر موصل لنعم الله وسعادة الدارين إذا أحسنا استخدامه وليس خدمته.

@Emad21209