عبدالله الأعرج

إتيكيت القرب ونتيكيت البعد!

الاحد - 07 يونيو 2020

Sun - 07 Jun 2020

الإتيكيت Etiquette أو اللطافة والسلوك المهذب مع الآخرين حين الالتقاء بهم وجها لوجه وفي مواقف حياتية مختلفة أمر ينتهجه كثير من الناس، في ظل ما يكتنزونه من أعراف وقيم تنشئة وتربية وتعليم.

هذا الإتيكيت المعلوم يكون محل جدل حينما يختفي الفرد خلف الكيبورد في وسائل التواصل المختلفة والبريد الالكتروني والمنتديات، ليحل محله ما يسمى النتيكيت Netiquette أو الإتيكيت الالكتروني، والذي يظهر طبيعة التهذيب واللطافة والذوق العام للفرد حينما يكون في مواقف حياتية عن بعد أو من وراء حجاب!

والمتأمل في هذين النوعين من الإتيكيت، أي المباشر وجها لوجه وغير المباشر من وراء الكيبورد، يلمح تفاعلا وربما تباينا في تعاطي الناس مع هذين النوعين، بحيث يظهران تارة تناغما وتطابقا وقد يجنحان إلى تباين واختلاف يلزم معهما الفحص والتأمل!

فلربما يكون شخص ما ذو لسان معسول ولطف وافر حال حضوره وجها لوجه، فتراه لا يجلس إلا بعد جلوس الآخرين، ولا يرفع صوته أثناء حديثه، ولا يبالغ في تمجيد ذاته ولا يزايد على الآراء، بل ويحسن الجدل ويحسن آداب المائدة، ويتلطف في إنهاء النقاش ويبادر في تقديم المساعدة حين تطلب منه.

وحين يكون الشخص نفسه على مساحات الانترنت الشاسعة هو الإنسان نفسه وجها لوجه، فسوف تراه معطاء في طبعه، مبادرا في نجدته للمحتاج، لا يستأثر بالحديث ولا يقرع المشاركين ولا يجادل لغرض الجدل، بل إنه لا يرفع صوته ولا يكثر من الحلف، ولا يحرج الزميل أو المعلم حين يخطئ، كذلك فإنه لا يقتحم خصوصية الآخرين كنشر صورهم أو إعادة اجترار مواقف سابقة لهم بغرض إحراجهم، ولن تراه يكثر من إرسال الرسائل الالكترونية ولا تحايا الصباح والمساء المعلبة!

وكم هو مؤلم أن تجد إتيكيتيكيا وجها لوجه لكنه موغل في القبح نتيكيتيكيا! مثل هذا الشخص لا مناص من وصفه بالنفاق الاجتماعي، ذلك أنه يظهر ما لا يبطن، فلو صح منه الوفاء لما كان جميلا حال ظهوره هزيلا حال أفوله! وإن أردت فقد تصفه بالمتصنع، ذلك أن صورته لا تطابق أصلها الحقيقي!

ويا ويل قلبك من شخص لم يحز جمال الإتيكيت ولم تجد له موطئا في النتيكيت! شخص كهذا حرم نفسه لذة اللطف والاستمتاع بجانب مشرق في الحياة تستسيغه النفس وتستطعمه الروح قبل اللسان! هذا الشخص بلا شك سيكون الخاسر الأكبر في معركة الحسن والجمال الاجتماعي، المبنية على حسن القول وجمال الفعل وصدق النوايا وامتنان الآخرين.

وحين نتأمل ما حولنا من مواقف الحياة المباشرة والانترنتية نجد أنفسنا بوعي أو بلاوعي نصنف الناس إلى مساقات تتسق مع ما نلحظه منهم من سلوكيات وتصرفات، ليكون لهم في نهاية الأمر قوالب وصور نمطية لا يكاد البشر يختلفون عليها: ففلان أنيق جميل، وثان لطيف حال حضوره مزعج حين غيابه، وثالث فظ غليظ لا يعاشر ولا يجالس، وما كل هذه التصنيفات إلا حصائد سلوكيات رصدها الناس وأسرت وجدانهم.

أختم بالتأكيد على أن الإتيكيت والنتيكيت هما فن وعلم، لا تزداد المجتمعات بتعلمهما إلا بريقا، وهما مطلبان في زمن تعددت فيه طرق الاتصال ووسائل التواصل، ولعمري إن وزارة التعليم ستحسن كثيرا حينما تبادر بإدراج مقرر يستقي منه النشء هذين الفنين، ولا سيما أن المواءمة بينهما في ظل ثورة التقنية أصبحت مطلبا ملحا وتهذيبا للنفس والروح، ليترقيا في معارج الفضائل الحسنة، والسلام.