بندر الزهراني

صراع الأفكار لا صراع المصالح!

السبت - 06 يونيو 2020

Sat - 06 Jun 2020

الصراع بمفهومه العام هو حالة من اعتلال القيم والمبادئ، واختلال القوى والمراكز، ينشأ بين شخصين أو فئتين أو أكثر، بسبب تعارض المصالح بينهم.

والصراع الأكاديمي يفترض أن لا يخرج عن إطار هذا التعريف إلا في مسألة التعارض، فيكون في الأفكار لا في المصالح.

لكن الصراع الأكاديمي في واقعنا اليوم لا يحدث ضمن هذا الإطار أو حتى قريبا منه، بمعنى أن الصراع القائم هو صراع مصالح لا صراع أفكار، ومعظم الحوارات الأكاديمية الناقدة ليست نقدا خالصا يحلل عقدا فكرية أو يخلق أفكارا ومفاهيم جدلية تنشأ عنها موضوعات يمكن أن تسمى حركة ثقافية، وإنما حواراتنا تتشكل ضمن اعتبارات خاصة تحكمها المصالح الشخصية والفئوية.

في أيام الحجر الصحي، حيث كان الوقت متوفرا، والكل كان يقظا مترقبا، كانت التصريحات عن بعد هي عنوان المرحلة، فهذا يصرح وذاك يرد، وهذه الجهة تغرد وتلك تفند، فهيئة تقويم التعليم تنتقد أداء التعليم الجامعي بالحجج الدلالية والبراهين المعيارية كما تزعم، ووزارة التعليم تعمل بكبريائها وهي كمن يقول: وأمشي مشيتي وأتيه تيها، تنفذ ما تؤمن هي لا غيرها بأنه الصواب، فهي التي أصرت على استخدام التعليم عن بعد بديلا عن التعليم التقليدي، بغض النظر عن سلبياته في التقييم، ثم تأتي الهيئة كالبطة العرجاء وتصر هي الأخرى على إقامة اختبار قياس القدرات عن بعد، ربما نكاية بالوزارة، ولكل وجهات نظره وقراراته، على اعتبار أنها متغيرات تتغير حسب الظروف والمعطيات!

‏ما يظهر للمتابعين والمهتمين بالشأن التعليمي من صراع هيئة التقويم مع الوزارة هو أمر صحي وطبيعي، ويحدث بين قطاعات الدولة، وقد يخلق مثل هذا الوضع حوارا يمكن أن يكون جيدا، خاصة إذا ما وجه بشكل صحيح وفعال، وبه نستطيع أن نحرز تقدما ملحوظا على أصعدة مختلفة في التعليم، ولكن ما خفي منه ربما يكون صراعا شخصيا بين القيادات في الجهتين، وهذا بلا شك سيظهر مع الوقت أو مع احتدام الصراع وصعوبة احتوائه، ومثل هذا قد يشوش على أي حوار قائم، وربما إذا تطور وزادت وتيرته يقود في نهاية المطاف إلى فشل الجهتين، والخاسر الأكبر في هذه الحالة هو الوطن، وهذا ما لا نريد حتى تخيل وقوعه لا سمح الله.

يقال إن عبدالعزيز الخويطر رحمه الله عندما كان وزيرا للمعارف رفع خطابا لوزارة المالية يطلب بعض الاعتمادات المالية للوزارة، ثم بعد فترة قصيرة تم تكليفه وزيرا للمالية، فكان من ضمن المعاملات التي عرضت عليه في وزارة المالية خطابه من وزارة المعارف، فوجد الرد على الخطاب قد أعد بالرفض سلفا، فما كان منه إلا أن وقع عليه، وأجرى رفض ما طلبه من اعتماد مالي لوزارته، وهذه الواقعة على أنها غريبة، وتبدو نادرة الحدوث خاصة عند توفر السلطة والنفوذ، إلا أنها تعكس مدى رقي الحس الإداري لدى المسؤول المتحرر من عوالق المصالح الشخصية أو الفئوية، فتسمو وترتقي طموحاته عن الصراعات الجانبية.

دعونا نتفق على أن الصراع الذي نطلبه في الجامعات والمؤسسات التعليمية يجب أن يكون بعيدا كل البعد عن صراع مصالح الأشخاص أو الفئات، لأنه إن بقي كذلك تحول إلى عراك وشقاق، بينما يحضر الوفاق إذا ما انحصر صراعنا الأكاديمي في الأفكار فقط، وتحرك بنا إلى الأمام تحركا ساميا راقيا، فيصبح عندئذ حراكا ثقافيا، يتحول فيما بعد إلى سلوك ثم ثقافة! وتبقى أفكارنا الناقدة وتساؤلاتنا الحائرة نقدا يبني دائما ولا يهدم، يصوب دون أن يحطم، يحترم الرأي المخالف، ويُحترم من كل مخالف.

‏تصارع وجهات النظر واختلاف الآراء وتنوع معايش الحياة بين الناس وحتى اختلاف العقائد وتفاوت الخطأ والصواب أمر طبيعي (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، ولكن الإشكالية أن يتحول خلافنا إلى عداوات وخصومات ثم في مرحلة متقدمة يتحول إلى إقصاء، ولذلك علينا إن اختلفنا أن نفهم طبيعة الاختلاف أولا، ثم بعد ذلك نتقبل ما أمكن قبوله، ونجادل بالتي هي أحسن، وقبل هذا كله ينبغي أن نسأل الله الهداية (ولو شاء لهداكم أجمعين)، فمشيئته عز وجل فوق كل اعتبار.

drbmaz@