عمار براهمية

نموذج خطابات الحرية الغربية

الأربعاء - 03 يونيو 2020

Wed - 03 Jun 2020

من كان يتغنى بالحرية الغربية بحجة أنها نموذجية وفق ما يمليه عليهم عرابوهم من أسس وهمية ومبادئ هلامية، يجب أن يعلم أنها قد سقطت كل الأقنعة وأبانت ما كانت تخفيه الأفلام الهوليودية والخطابات الهزلية عن الديموقراطية والمدنية وميثاق الحقوق الإنسانية، لأن كل ذلك أفلس، وبات لزاما مراجعة شاملة لترتيب الشعوب بخصوص الحرية أو تغيير المناهج والمعايير التقييمية.

سقطت مظاهر التحرر الغربية وأبانت شوائب وعيوب كانت عنا مخفية، وعلينا أن نبكي للعهود المنسية التي أربكوا فيها مجتمعاتنا بكذبهم ومزايدتهم عنا بالديموقراطية. سقطت أغلب مذاهب الإمبريالية وتعدت في وقع صدمتها حدودها الجغرافيا، إنها الحقيقة المنسية أو المخفية، أن الحرية ليست شعارات أو عمليات تجميل بالأفلام الهوليودية والمنتجات الإعلامية ولا بإشهارات العطور الباريسية، لأن الرائحة فاحت وضاعفت مرض الحساسية لصانعي ومروجي الحروب الأهلية ومسقطي الأنظمة في فخ الياسمين الذي لم يعط رائحة زكية، بل أصبح رذاذا أعمى أعينا بمعصورات خردل وفلفل، وكل أنواع البهارات الشرقية لتفسد طعم حياة كانت هادئة في أغلب البلاد الشرقية.

والواقع أنه كلما زادت هذه النماذج الغربية من دعاوى الحرية والديموقراطية عمدت لنفس الخلطة السحرية، اسمها الياسمين والربيع وما إلى ذلك من معان وأسماء تحمل في عنوانها روائح زكية، لكنها في الحقيقة تزيد من مقادير البهارات نفسها لتعمي المجتمعات عن ثرواتها الحقيقية من تاريخ وهوية وأصالة متجذرة منذ حقب أزلية، بدعوى الحرية قصدا وتوجيها في مجتمعات وشعوب كانت في الأصل نماذج حضارية، فتداخلت عليها بعد ذلك كل المفاهيم والقوانين الوضعية وغلقت كل المؤسسات الدستورية لتكثر الفوضى وتغيب الحياة الطبيعية، فأصبحت هذه الشعوب تبكي عما كانت تسميه في السابق بالديكتاتورية، وخير نموذج الحالة الليبية التي ليست بعيدة عن نظيرتها العراقية، فأين هي الحرية؟ وأين الديموقراطية؟ أين الحياة المدنية؟ أين ذهبت الدولة فيها حتى وإن كانت ديكتاتورية؟ والمبررات المقدمة في التقارير التحليلية أن كل ذلك ضريبة للحرية، لكنها في الحقيقية تكاليف ورسوم مباشرة إضافية، ذات دلالة تصاعدية لفرض أثر رجعي يعوق كل جهود للحفاظ على المجتمعات والهوية.