منال عبدالله الحصيني

«ظننتُ أن لا تلاقي»

الأربعاء - 03 يونيو 2020

Wed - 03 Jun 2020

في خضم قصص الحب العابرة عاشت صاحبتنا خمس سنوات مع زوجها الذي كان قدرها الجميل كما كانت تقول.

فقد كانت تفاصيل حياتها أشبه بإيقاعات موسيقية متناغمة، توحي لمن يرقبها بعيدا بأنه يكاد يتراقص على أنغامها الشجية. حلم الأمومة كان يساورها في تلك السنين وكان لا بد من اتخاذ ذلك القرار المؤلم الذي شعرت أن روحها تنصهر وجعا وندما عليه، فتساوت في عينيها كل ألوان العالم حتى أصبحت تراها بلون رمادي باهت. فلا عجب «وما الحب إلا للحبيب الأول» هكذا كانت دائما تقول.

تركت رسالة فحواها: لقد اقتسمت معك تفاصيل حياتي وعثراتي وأفراحي وأحلامي.. وزينتها بعقدها الماسي «أعتقد أنني أذكره جيدا وكأنني أرى لمعانه في عينيها فرحا لأنه هو من أهداها إياه». اجترت أوجاعها وأوصدت باب تلك الأحلام التي انتهت كحلم ليل.

لقد حمل شهر مارس من العام المنصرم سحرا من تلك الذكريات فقد شاءت الأقدار أن يجتمعا في تلك المستشفى، حيث كانت تملي اسم ابنتها «جمانة»على موظف الاستقبال خلف تلك الردهة، وبينما هي تعبث بحقيبتها وتصرخ أرادت إسكاتها، فإذا بذلك الشخص الذي تعرفه جيدا أخذت «تتفرس ملامحه» شعرت وكأن برقا خطف بصرها من هول تلك الصدفة، لم تنتبه إلا لصوته حينما قال «جمانة ابنتي» ذات الستة أعوام ولدت صماء وأنا أحسدها، فليس كل ما يقال نود أن نسمعه. حدقت كثيرا بها «جمانه»!

كلانا ما زال يذكر ثرثرات الماضي بأنه اسم ابنتنا إن رزقنا الله، لكن هكذا شاءت الأقدار.

ذلك الموقف لم يمر سهلا على صاحبتي، فقد غرس سكينا وفتح جراحا سعت جاهدة للملمتها طوال تلك السنين.

أذكر أنه حينما كانت تذكره كنا نقول لها كما يقول إخواننا المصريون «اللي في القلب مابيحاسبكيش ربنا عليه»، نقول ذلك من باب ممازحتها والطبطبة عليها، ولكن سرعان ما نذكرها بأن التركيز على المفقود ينسي الموجود، مما قد يدفعها لتأجيل سعادتها التي هي من يستطيع أن يبث فيض حنانها بين أجنحتها لتحتوي صغارها بفيض من الحب.

وفي شدة انغماسنا عن كيفية إقناعها في تجاهل الماضي نظرت إلينا نظرات ثاقبة ثم قالت: لقد صنعت صندوقا حديديا قفله عتيق وصدئ وأودعت فيه ذلك السر المتعب ثم بحثت عن كهف دامس الظلام في إحدى ثكنات قلبي وأودعته فيها، فما النسيان سوى قلب صفحة من كتاب العمر.